كتاب من حمص .. حلم لا يشبه سواه

أصدرت الأديبة القاصة حسنة محمود عدداً من المجموعات القصصية ، للكبار والصغار ، وكان آخرها مجموعتها ( حلم لا يشبه سواه ) وهي قصص للكبار .
أبطال المجموعة يحملون ، كل حسب اهتمامه ، أحلاماً قد لا تتحقق لكنها تشي باهتمامات أبطالها . ثمة رجال ونساء ، عاجزون بشكل ما أو بآخر ، عن تحقيق أحلامهم وأحلامهن ، لكن لا شيء يمنع ان يعيش الإنسان الحلم ويتخيل حصول ما لم يحصل .. وعندما يفيق من حلمه ويصدمه الواقع الشخصي أو العام تزداد الخيبة وتتجدد المرارة .
في قصتها ( أغنية البنفسج ) ثمة امرأة تحلم أحلام اليقظة .. فأغنية البنفسج تعيد لأنوار الشارع فرحها وتعود أغاني الملاحم البطولية لتنعش الذاكرة . لكنها عندما تمعن النظر جيداً في مرآتها التي اعتراها الصدأ قليلاً في مطارح عدة تدهشها تجاعيد سنواتها الخمسين ولكن الحلم يستمر : سهرات الشتاء مع التين والزبيب والبلوط المشوي في مدفأة الحطب .
في قصة ( سكرتيرة ) تدهشنا الأديبة حسنة محمود وهي ترسم شخصية ( السكرتيرة ) في مؤسسة اقتصادية هامة جداً .
هي مفرطة في أناقتها ( تسبقها العطور المستوردة مسافة لا بأس بها ، حذاؤها العالي بلون تنورتها القصيرة وقرطاها وعقدها بلون القميص .. عليها أن تصل دائماً قبل وصول المدير لتصنع لمساتها الأنثوية على مكتبه . وأحد الأيام وقبل وصول المدير وبعدما دارت بالكرسي نحو اليمين ونحو اليسار تأبطت حقيبتها وخرجت وهي تتذكر قولاً سمعته ( حين تهزك العاصفة فلا تجزعي لأن تلك تجرية لتختبري قوّة مناعتك). هذه النهاية تأتي فجأة ولا تمهيد لحصولها .. فكل ما يجري يوحي بأن السكرتيرة مبتهجة بعملها.. لكن فجأة تقرر وتمضي . والحياة ملآنة بالمفاجآت أحياناً .
في قصة ( كلمات قليلة للحب ) تسهر البطلة مع حبيبها ويبدو أنهما زوجان .. ويتهامسان بمناجاة القلوب للقلوب وصمت أبلغ من الكلام.. وتقول ( إذا لم تعجبك قصة حبي هذا .. مزّق مفرداتي واطعن همساتي ثم ألقها جميعاً في البحر لكن ابق بعيداً عن حبيبي ) وبهذه الكلمات تنتهي القصة .
في قصة ( الصورة ) ثمة صورتان للأب : الأولى وهو على كرسي فخم ، منتفخ الكرش والكرسي من زنود الكادحين ، وثمة صورة أخرى مغايرة ( المسافر الذي أدمن السفر وسكنته الغربة … أضاع عنوانه منذ أضاع حبه الأول ..) والبطلة في القصة تنتظر أباها الذي لن يأتي .. إنه حلم ليس أكثر . لكنه الحلم الذي يكشف أغوار نفسها وأي الصورتان تريد أن تصنعها لأبيها…!!.
ويبدو أن انتظار ما لا يأتي هو سمة الكثير من أبطال قصص حسنة محمود ، ففي قصة ( عزف منفرد ) امرأة مقهورة معذبة تنتظر شخصاً سيأتي .. لكنه يطيل الغياب .. فهي تحتاج كما قال لها صديق أبيها ( الحكمة والصبر …) وهكذا تحلم بولادة الربيع وشمسه الدافئة وتغاريد الطيور وهدهدة تدفقات مياه النبع . وفي قصة ( تجارة ) ثمة من يتاجر بقوت الناس أيام المحن والكوارث. فالحرب تنتج طبقة طفيلية ومن هؤلاء تجار ( الأطراف الصناعية ) الذين يتمنون استمرار الحروب والكوارث لبيع منتجات معمل ( الأطراف الصناعية ) . والمعمل رمز للتجارة ولكنها تجارة تهدف ليس إلى توفير حاجات الناس بأسعار معقولة ، بل بأسعار باهظة جداً أكثرهم يفضلون الموت .. رغماً عنهم .. وليس معهم شيء من ثمنها ..!!.
أغلب قصص مجموعة ( حلم لا يشبه سواه ) من النساء .. اللواتي على الرغم من المآسي ومصاعب العيش ، يحلمن بمستقبل جميل .. بعضهن يعملن بجد للوصول إليه وبعضهن يكتفين بالحلم …!!.
عيسى إسماعيل

المزيد...
آخر الأخبار