وضع الطفل زاهر ذو العشر سنوات كيسه الممتلئ بالنفايات البلاستيكية بجانبه والتي قام بجمعها من الحدائق العامة ومخلفات المنازل وجلس أمام مطعم لبيع الفلافل يتلمس معدته الخاوية ! فقد خرج الصغير مع بزوغ خيوط الفجر الأولى حتى يتسنى له جمع أكبر كمية من النفايات البلاستيكية وقبل أن يسبقه إليها محتاج آخر
قال لنفسه وهو يشبك ركبتيه الظاهرتين من بنطاله المهترىء : لا أعرف كيف سأصل للمنزل ! لقد تعبت وتورمت قدماي من كثرة المشي !
أسند ظهره لحائط المطعم وهو يتابع بنظره الطلبة والزبائن التي تتهافت إلى المطعم تريد شراء السندويش . ما هي إلا دقائق حتى بدأت طلاب الحلقة الأولى والثانية تخرج من المدرسة المقابلة معلنة انتهاء اليوم الدراسي للتلاميذ .راح زاهر ينظر إليهم وكأنه ينتظر خروجهم من المدرسة .
بعض الطلاب كانت تخرج وتكمل مشوار عودتها للمنزل بصحبة الأم أو الأب وبعضهم يكمل الطريق بصحبة الرفاق .
كانت عينا زاهر تتفحص ثياب التلاميذ النظيفة وأحذيتهم اللامعة وهو يحادث نفسه : متى سأرتدي ثياب المدرسة وأتعلم القراءة والكتابة ؟! متى سأنتهي من ارتداء مخلفات ثياب الآخرين ؟ متى سأتخلص من هذا العمل وألعب مع أولاد جيراني بالكرة ؟
ابتسم الصبي ابتسامة حزينة وقال : لقد وعدتني أمي أنه في حال شفائها وعودتها للعمل ستدخلني المدرسة وتشتري لي مثل هذه الثياب وسأتعلم القراءة والكتابة وأكون وقتها نظيفا ..
لشدة تعب زاهر وشعوره بالنعاس , أغمض عينيه مستسلما لبنات أحلامه وراح يُخيّل إليه أنه يرتدي ثياب المدرسة النظيفة وحذاء أسودا لامعا يقف بين رفاقه ولكن ….
فتح الطفل البريء عينيه الحمراوين النعستين عند إمساك صاحب المطعم به وضربه برجله على مؤخرته فحاول زاهر النهوض من شدة تعبه ولكنه سقط على الأرض والرجل لا يزال يصرخ به ويشتمه , بعض الناس أوقفت صاحب المطعم عن متابعة ركل الطفل وهو يصيح به: ابتعد عن هذا المكان أيها الولد القذر , قم واغرب من هنا إنك تتسبب باتساخ واجهة المحل بجلوسك هنا كل يوم في هذا الوقت .
وقف الطفل متهالكا مرعوبا في مكانه وهو يتمنى أن لاتخذله ساقاه التعبتان خوفا من ركلة ثانية واستغرب تصرف صاحب المطعم الغاضب . نزلت دمعة من عينيه وهو يحمل كيسه الثقيل مستمعاً لشتائم صاحب المطعم
لم يعرف زاهر كيف ابتعد عن المكان خوفا من ركلة ثالثة فتابع طريقه وهو يستمع لصوته الحزين من الداخل : يالقساوة قلبك أيها الرجل , حتى الحلم أصبح ممنوعا ! اتركني أحلم قبل أن أعود للمنزل
تابع طريقه وهو لا يزال ينظر إلى المدرسة التي كانت أبوابها تُغلق بعد خروج آخر طفل وعامل فيها
عبير منون
المزيد...