المكالمة الأخيرة معه ، قبل وفاته بأسبوع، لم يستطع الرد عليها ، تلقتها زوجته الدكتورة ملكة أبيض ، وكانت للاطمئنان عنه ، مكالمة قصيرة ومحزنة، وكان في أثنائها يرقد في مشفى الأسد الجامعي .
رحم الله الشاعر العربي الكبير سليمان العيسى، الذي مرت ذكرى رحيله التاسعة في التاسع من هذا الشهر، فهو واحد من الكبار الذين تشرفت بصداقتهم ، ممن ارتضوا أن أكون صديقا ً لهم،وهذا يعلي من شأني ولا يزيد في شأنهم شيئا ً …!!.
لن أكرر ماكتبته سابقا ً عن المرحوم العيسى، ولكنني سأكتفي بالحديث المختصر جدا ً عن مفاصل في حياته، أولها تهجيره مع أهالي لواء اسكندرون إثر سلخه عن سورية بمؤامرة تركية- فرنسية ، حيث الاحتلال الفرنسي لسورية ، وعمل العيسى وكان شابا ً في “عصبة العمل القومي” بزعامة الأرسوزي في صد محاولات سلخ اللواء وأودع السجن ولوحق.. ثم هجّر ، وهكذا وجد سليمان العيسى نفسه في حلب في أربعينيات القرن الماضي فسافر ليكمل دراسته في بغداد ، بعد ملاحقة الفرنسيين المحتلين له وللأحرار أمثاله، ودرس في “دار المعلمين العليا” في بغداد حتى نال الشهادة ، وكان من رفاقه في الدار الشاعران الكبيران بدر شاكر السياب وعبد الرزاق عبد الواحد، والشاعرة لميعة عباس عمارة، رحمهم الله جميعا ً، ممن أصبحوا / فيما بعد ، نجوما ً في المشهد الثقافي العربي .
ولابأس أن نذكر أن العيسى عمل لفترة في دائرة الإرشاد في حلب مديرا ً لها ، وكان في عهدته دراجة هوائية ، فسرقت من أمام الدائرة، فأرسل شكوى شعرية إلى صديقه قائد الشرطة المقدم مصطفى النابلسي يقول فيها :
في عهدك الميمون يامصطفى
دراجتي طارت من الدائرة
لو سرقت في الليل لم ننزعج
لكن بعين الظهر في الهاجره
ويحيل النابلسي الشكوى إلى دائرة المباحث التي يرأسها المقدم مروان أتماز السباعي (شاعر وروائي) وصديق سليمان العيسى، فيعيد الشكوى إلى العيسى لأنها غير مستوفية الشروط في برقية شعرية يقول فيها السباعي:
نسيت الختم والرقما
فلاتنسوهما أبدا
وليس الشعر يقنعا
إذا ماالختم قد فقدا
فألصق طابعا ً فورا ً
وأرسله لنا سندا
وبعد شهر ونيف يلقى القبض على السارق وتكون فرحة الشاعر العيسى كبيرة .
ولعلي أذكر أنني التقيت به أكثر من عشرين مرة ، بعضها في مكتبه في وزارة التربية – كموجه أول للغة العربية _ وفي منزله في أبي رمانة وفي الناصرة حيث اعتاد أن يمضي أسبوعا ً فيها كل سنة .
والحديث عن الشاعر العيسى يبدأ ولاينتهي، فهو شاعر العروبة والطفولة والبعث، ولعلي أذكر أن آخر قصيدة كتبها ونشرتها الصحف السورية بتاريخ السابع والعشرين من شهر آب عام 2012 وكانت تحية لشعبنا وجيشنا الذي انتصر على المؤامرة ومنها :
اسق العطاش رحيق النصر يابردى
اسق العطاش، مامنعنا كأسنا أحدا
عرس من النار كان الغزو واحدة
مدي بساط الهوى ياشام رائعة
أمجاد أمس .. وأحلى ما يجيء غدا
رحم الله الشاعر الكبير سليمان العيسى ، الذي يضاف اسمه إلى كوكبة الشعراء العظام … المتنبي ، بدوي الجبل ، أبو ريشة… وغيرهم .
عيسى إسماعيل