عندما نشر الشاعر الراحل الكبير سليمان العيسى قصيدته ” الدار” ، بعدما ألقاها في مهرجان الشعر في بغداد ، لم تبق صحيفة أو إذاعة في العراق إلا ونشرتها وبثتها، فهو خريج دار المعلمين في بغداد عام 1950 والقصيدة ألقيت عام 1970 فيها حنين لأيام بغداد ودار المعلمين.. واعتبرها النقاد والشعراء درّة مهرجان الشعر ومطلعها :
/خذي شفتي يادار وليركع الحبّ
يسلم عند الباب بالدمعة الهدب
لثمتك سبعا ً، ما ارتويت وما اشتفى
على العتبات السمر ثغر ولا لبّ/
وفي إحدى زياراتي له في منزله الدمشقي حدثني رحمه الله عن ذكرياته في بغداد وإقامته في دار المعلمين العالية حيث كان مطارداً من قبل الحكم الديكتاتوري كما كان مطارداً قبل ذلك من السلطات الفرنسية، واعتادت حكومة العراق في ذلك الوقت أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي تقديم منح الدراسة للكثير من الطلبة العرب في دار المعلمين ببغداد .
من زملاء الدراسة_ كما يروي الشاعر العيسى رحمه الله – بدر شاكر السياب ولميعة عباس عماره، وعبد الرزاق عبد الواحد .. وهم أسماء لامعة في الشعر العربي.
كان السياب معجباً بزميلته لميعة، ويقال إن بعض قصائده الغزلية كانت لها ، لكن السياب الفقير الحال القادم إلى بغداد لا يملك شروى نقير وقد مات في الكويت عام 1964 في أثناء عمله هناك عن ثمانية وثلاثين عاماً .
وثمة شاعرة أخرى بدأت تلقي قصائدها أواخر أربعينيات القرن الماضي هي العراقية عاتكة الخزرجي التي أصبحت فيما بعد أستاذة جامعية. فالدار كانت حاضنة لمواهب شعرية وأدبية، وكان أبرز الشعراء الطلاب فيها سليمان العيسى وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي إضافة إلى نازك الملائكة وسعدي يوسف وسواهم .
لقد أحرج شعراء دار المعلمين الملك ورئيس وزرائه عندما أرسل طلاب الدار إليها برقيات لنصرة الجزائر وسورية في أثناء الاحتلال الفرنسي لهما ، وكانت اللجنة الثقافية تقيم المهرجانات تضامنا ً مع نضال الشعب العربي وكانت برئاسة الدكتور مهدي البصير ، وقد دعت اللجنة الشاعر الجواهري لإحياء إحدى الأماسي فألقى قصائد وطنية وغزلية عديدة.
ولعلنا نتوقف عند الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد الذي لم يغادر العراق إلاّ بعد الاحتلال الأمريكي له ، فجاء إلى دمشق وأصدر قبل رحيله ديوانين عن اتحاد الكتاب العرب هما / قمر في شاطئ العمارة / و/في مواسم التعب/ .
وثمة مجموعة كان اسمها (شعراء آخر الليل) منهم سعدي يوسف، وعبد
الرزاق عبد الواحد والبياتي وهؤلاء كانوا يسهرون في مقاهي شارع الرشيد، بعد تخرجهم من دار المعلمين ، واعتادوا أحياناً عند منتصف الليل أو بعده، أن يطرقوا باب دار الجواهري ليتناولوا الطعام الذي يقدمه لهم برحابة صدر قبل أن يذهبوا إلى بيوتهم ، وكان الجواهري ميسور الحال لأنه يعمل رئيساً للديوان الملكي.
كانت الشاعرة الراحلة لميعة عباس عمارة قريبة الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد ، وكانت تتمتع بجمال ساحر ، ويقال إن جميع شعراء وأدباء دار المعلمين العالية كانوا معجبين بها، لكنها لم ترتبط بعلاقة مع أحد منهم وقد أعجب بها إلى درجة الحب الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش…ولكنها لم تبادله الحب، بل التقدير والإعجاب بشعره.
عيسى إسماعيل