يثير فيّ صديقي أبو أسامة الكثير من الأفكار ، ويحرض المخبوء في أعماقي بعبارة يبوح بها هنا ومصطلح يطلقه هناك ، فأنا مدين له بالكثير، وأمس وصفني عبر الهاتف لطرف ثالث بأنني صديق استراتيجي . وهذا الوصف حرضني على الكتابة في موضوع : الاستراتيجية فتساءلت : هل توجد صداقة تكتيكية وصداقة استراتيجية ؟ وما مفهوم كل واحدة منهما؟! وهنا اتسعت دروب الأفكار والمعاني ولم تضق العبارات . فالصداقة التكتيكية صداقة آنية مرحلية وظيفية تهدف إلى تحقيق هدف قريب جزئي مادي بعيد عن الكليات ، وهذا ما يسم هذه الصداقة بسمة الانتهازية المصلحية ولذلك تبدو نوعاً من الكتابة على الرمال تمحوها أمواج البحر في مده أو تدوسها الأقدام في جزره .
أما الصداقة الاستراتيجية فهي صداقة لها سمة السيرورة والديمومة بعيدة عن الوظيفية والانتهازية ، تهتم بالكليات لا بالجزئيات النفعية الآنية ، ولذلك تحمل في ثناياها عطر الإنسانية وعبق المحبة وتحقيق الأهداف الكبرى البعيدة السامية وهي تمنح الإنسان طمأنينة نفسية واستقراراً وجودياً على نقيض الصداقة التكتيكية التي تجعل الإنسان قلقاً خائفاً من المستقبل .
وإذا كانت الصداقات الاستراتيجية والتكتيكية بين الدول من اختصاص مراكز البحوث والباحثين في العلاقات الدولية فإنني أدلي بدلوي في بئر صداقة الإنسان بالإنسان الاستراتيجية والتكتيكية لأطراف متعددة .
فصداقة الإنسان بالإنسان يجب أن تكون استراتيجية تسعى إلى كليات الحب والخير والجمال ، من أجل أن يحيا الطرفان الصديقان حياة تستحق أن تعاش وتليق بهما .
وصداقة الإنسان مع الطبيعة ، ما أجملها صداقة استراتيجية !! لأنها تقوم على احترام الطبيعة والحفاظ على مكوناتها وجمالياتها وليس الاعتداء عليها بجعل أنهارها مكبات قمامة ومجاري للصرف الصحي.
والصداقة الاستراتيجية الأهم هي بين الإنسان ووطنه لأن الصداقة التكتيكية بين الإنسان ووطنه كصداقة ذلك العابد القديم لإلهه المصنوع من التمر ، فعند إحساسه بأدنى شعور من الجوع يأكله .
ولنا أن نتذكر أولئك الذين كانت صداقتهم لوطنهم سورية صداقة تكتيكية . كيف شربوا كوب الحليب وبصقوا فيه . كيف أكلوا ثمار الغوطة وأحرقوها ، كيف قبلوا وطنهم من شفتيه وخديه ثم طعنوه في ظهره ، وكأنهم كلهم : يهوذا الإسخريوطي – الذي باع – عيسى المسيح – بثلاثين من الفضة .
كما لنا أن نذكر أن من كانت صداقته لوطنه سورية استراتيجية ما زال يدافع عنه بصدره ، بزنده ، بقلمه ، بمحراثه ، بكل ما يملك على الرغم من شراسة العدوان .
د. غسان لافي طعمة