تحية الصباح … فعل الكتابة ريادة فِكَرْ

إن الكتابة في مقاربتها ضمن حيثيتها الإجرائية، بما يخصّ واقعها فعلا يجسّده الجانب التدويني أمر وسيلي التعبير، أكان جانبا ذاتيا إنشائيا أو موضوعيا تعبيريا، فإن المحتوى الذي تصوغه المفردات , وتأتي به الجمل يوضح مآلات هاتيك الصيغ وتلك التعابير , ليغدو ذاك المحتوى حاضر المعاني والدلالات أيّاً كان مستوى التعبير , أو نسق الصوغ , أو ما ينشده من حيث المعلومةُ أو القيمة , أو المعطى المعرفي الذي يخترم جنبات وصعد الحياة في موضوعاتها وقضاياها ما بين الإنسان والحياة , وجدلية التفاعل في ما بين كل منهما لكن الكتابة تتدرّج مستويات تؤكد فروقاً فردية في واقع المستويات المعرفية , والتخصصية , ومدى حيّز الثقافة العامة من جانب , وحيز الثقافة العالمة العارفة من جانب آخر , ومدى غِنى الفِكر والأفكار في تجذّرها ما بين مصادر ومراجع وبحوث ودراسات , وتكاملية خبرات , وسعة غنىً في مهارات , ودربة على أساليب تعي جماليات اللغة معرفةً , وحذاقة المفردات في غناها المعجمي , وأنساق اللغة نحواً , ولساناً , وفقه لغةٍ , ومثاقفة جماليات تنبسط من خلالها خصوصية الكاتب المبدع عبر تماهٍ ما بين تليد وطريف حيال فكرة يقدّمها عبر مقالة مثلا تسرد نتاجها فقرات وقيماً , ليكون المنتج المعرفي لمادة المقالة جانباً يجمع بين الكاتب المبدع مبدعاً في ما يكتب , و تلميذاً لما يصوغ , وحاضراً في شراكة قارئ يضيف برؤاه لتغدو مادة المقالة وعياً جمعياً  الثراء فيها هو هذا التلاقي الجميل ما بين الكاتب والأفكار والقارئ والمرايا المعرفية التي تشكل زاداً أصيلا في امتلاء حصيف لقيمة الفعل الكتابي .

إن هذا الفعل الكتابي يتجاوز الأنانية الفردية , والنرجسية التي تتعثّر في الدوران حول ذاتها فتكون الألفاظ حشواً سردياً إجرائي التعبير لا يداخله عند القارئ دهش في اللغة أو الأسلوب أو الغنى المعرفي والثقافي فسرعان ما تتكشّف المادة عن نمط حكائي تبوح المفردات وبوضوح عن مزيد من تصدير الكاتب لذاته كأن يقدّم فكرة تبدو عامة , لكن سرعان ما تضيق حتى تجد الحديث يدور ويدور حول ذات الكاتب كأن يلتحف بكثيرين بقليل إبداع عنهم وكثير حكائية عن تفرّده في كرم الدهر بلقاءاته معهم أو سعادتهم بكسب كرم الزمان بمعرفته فكل شاعر يكتب عنه مثلاً فما أكثر ما حفلت المجالس وعمّت السهرات وإذا ما مرّ في مكان فربما مداميك عمرانه قد سقيت بلحاظ ذكرياته وإبداعاته .

والمادة التي هي أساس المقالة ذهبت أدراج نرجسية وضاعت بين كثبان تهويمات وغوايات أنا يتشرّبها سراب وفي حقيقة الأمر لا تمرّ على حاضر حذاقة أوهام دهش يقتات فراغاً لكن الحذاقة في باكورة درجاتها لا ينطوي عليها فهم وعي صادق من تخرّص ادعاء .

إن الإنسان في مساحة الأعمار يعيش مكارم الحياة مع الناس ومكارمهم والجميل أن يباهي بنجاحات ونتاجات غيره , ويعطي المادة في المقالة حقّها لغةً وأسلوباً وأفكاراً وإبداع صوغ ولا يجعل منها مقدمة ما وراءها شرنقة نرجسية ماتزال تبحث عن ذاتها .

نزار بدّور

 

المزيد...
آخر الأخبار