لشهر أيلول ، ليس عندنا فحسب ، بل وفي الكثير من البلدان أهمية وحضورمتميزاً بين الأشهر . ففيه نودع الصيف ، فصل العطلة والراحة للمدارس والجامعات وفصل الإجازات والرحلات …!!
وفيه اعتاد الناس ، لاسيما في بلاد الشام ، أن يجددوا عقودهم في ( عيد الصليب ) من آجار واستئجار وعقود العمل لاسيما الرعيان واستئجار الأراضي والبيوت وغير ذلك .
في هذا الشهر تفتح المدارس والجامعات أبوابها . وافتتاح المدارس له وقع خاص في حياة كل أسرة . ما يعني مغادرة الأطفال والفتيان المنزل إلى مدارسهم والشباب إلى جامعاتهم …وهذا يحدث تغييراً في الحياة الاجتماعية اليومية للناس .
ولعلنا نذكر هنا ، أن طقوس افتتاح العام الدراسي لها ذكريات تبقى ماثلة في نفوس الناس . فقبل خمسين سنة ونيف كنا تلاميذاً ..كان الشوق للعودة إلى المدرسة كبيراً .. واليوم الأول لافتتاح المدرسة لا ينسى .. ولم تكن المدارس الابتدائية كما اليوم في كل القرى ….بل كانت هناك مدرسة واحدة لكل عدة قرى ..إلى أن جاءت الحركة التصحيحية المباركة في السادس عشر من تشرين الثاني عام سبعين وتسعمائة وألف بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد وطرحت ونفذت شعار « مدرسة ابتدائية في كل قرية» وهذه الخطوة من أهم الانجازات في مسيرة التعليم في قطرنا العربي السوري .
كانت ثمة دفاتر ، لم نعد نراها اليوم ، على غلافها الأول صورة تلميذ يرفع يده وثمة عبارة تقول «أيها الطالب ..إلى الأمام ..كن قوياً مجتهداً» . وعلى غلاف الدفتر الأخير كان « جدول الضرب» . ولجدول الضرب حضور في الذاكرة ..فمن لا يحفظه له عقوبة شديدة .. وكانوا يعتبرون حفظ جدول الضرب من أساسيات التعليم وينعتون الكسول بأنه « لا يحفظ جدول الضرب » وهي تهمة كبيرة في ذلك الوقت .. قبل أكثر من خمسين سنة …!!
أيلول ، أيضاً ، شهر قطاف العنب .. المحصول الرئيسي في اغلب القرى .
والوسيلة الوحيدة للنقل كانت « الدواب» حيث ينقل المحصول إلى قطعة ارض كبيرة مستوية تدعى « المسطاح » أي مكان نشر العنب بعد غمره بالماء وزيت القلو وقليل من زيت الزيتون ، فيصبح السائل أبيض اللون ، تغمر العناقيد فيه قبل نشرها على الأرض ويتم تقليبها كل يوم لتصبح زبيباً ، والمسطاح كان لكل أبناء القرية .. وكل فلاح له قطعه منه . أما الحراسة فيشارك فيها كل فلاحي القرية .
كنا نخزن الزبيب والتين المجفف لتناوله في فصل الشتاء . أما بقية المربيات الشائعة اليوم ، فلم تكن معروفة ، مثل الكرز والمشمش والتفاح وغيرها . وكنا نستعيض عنها بالدبس ومربى التين .
وفي ستينيات القرن الماضي وأوائل السبعينيات لم يكن أهل الريف ، إلا قلة منهم ، تعرف ( المكدوس ) الذي بدأ بالظهور بعد تلك الفترة وأصبح مادة غذائية أساسية في حياتنا . ويقال إن الباذنجان الحمصي هو الأفضل لصناعة المكدوس .. هذا مايعترف به أبناء المحافظات الأخرى .
يقولون عن أيلول إنه شهر المدارس و المؤونة وجمع المحاصيل الصيفية .. وهو شهر الاستعداد للخريف ثم الشتاء .. بمعنى أن حياة الأسرة تشهد فيه منعطفاً اجتماعياً ومادياً .. ونفسياً أيضاً .. ولكن ( كل الشهور والأيام خير وبركة ) كما تقول أمهاتنا وجداتنا …!!
عيسى اسماعيل