الشيء الوحيد الذي لم أكن أتوقعه مهما قست الأيام وضاقت علينا هو أن يتحول القطاع التربوي إلى ميدان للتجارة و حساب الربح والخسارة !!!
القطاع التربوي الذي يجب أن يتسم دائما وأبدا بالطابع الأخلاقي القائم على المبادئ الإنسانية التي نعتز ونفتخر بها الخالي من جداول الحسابات والعرض والطلب , لكن للأسف الشديد الكثيرين من ضعاف النفوس جروا هذا القطاع إلى ما كنا نخشاه فاقترب من حلبة العمل التجاري والسوق السوداء التي لاترحم أحدا بهدف كسب أكبر قدر ممكن من المال ضاربين بعرض الحائط المبادئ والقيم التي تعلمناها وكانت بمثابة الحصن الحصين لهذا المجال وأقول ذلك لأن المعلم وصف برسالته السامية حتى قيل ” كاد المعلم أن يكون رسولا” , ألم نتعلم جميعا في مدارسنا منذ نعومة أظفارنا ” قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا ” .
في الحقيقة قلة قليلة هذه الأيام من المدرسين تعمل من أجل تحقيق رسالتها السامية في الحياة وليس هدفها الربح المادي تطبق مقولة العمل من اجل التربية والبناء وليس الربح وجني الأموال .
وفي هذا المجال لايزال يحضرني مشهد ذلك المدرس من قرية قريبة لقريتي تابعنا تعليمنا الإعدادي والثانوي فيها كان يحنو علينا عندما نمر أمام بيته والسماء متلبدة بالغيوم و المطر يتساقط بغزارة في طريق عودتنا إلى منازلنا كأننا أولاده رغم قسوته المعهودة في المدرسة وبعد لحظات نراه وقد ارتدى لباس العمل وحمل معوله متجها إلى حقله ليجني من عمله الزراعي أي على عكس الكثيرين من المدرسين هذه الأيام يتسابقون للدروس الخصوصية وقنص فرص النيل بأكبر عدد ممكن من الطلاب ضاربين أرقاما خياليه ناسين أو متناسين الأوضاع المعيشية الصعبة وكأنهم خارج إطار الزمان والمكان ولايعنيهم سوء الحال الذي آل إليه معظم الناس هذه الأيام بسبب الظروف الاقتصادية التي تخيم بظلها الثقيل علينا وتكاد تخنقنا .
رفقا بطلابنا وأسرنا الذين باعوا كل شي يملكوه واقترضوا واستدانوا من هنا وهناك حتى غرقوا بالديون بهدف دفع أجور الدروس الخصوصية لمدرسين تجار يتبارون في قيمة الحصة أو الجلسة الدرسية الخصوصية كما أطلقوا عليها دون حسيب أو رقيب ودون وازع من ضمير حتى أصبحت الجلسة الواحدة أكثر من ثلاثين ألف ليرة و”الحبل على الجرار” أي هناك زيادات في الأسعار بين الفينة والأخرى حتى تحول هذا الميدان إلى أشبه ما يكون ببورصة دون ضوابط لها مستغلين تعامي الجهات المعنية عن هذا الأمر ..!!
السؤال الذي يطرح نفسه : أين الجهات التربوية المعنية وماذا فعلت في هذا المجال وما هو دورها ؟؟؟
إذا كانت الجهات المعنية لاتعلم ما يحدث للقطاع التربوي فتلك مصيبة وإن كانت تعلم ولم تحرك ساكنا فالمصيبة أكبر …!!
ضبط ظاهرة الدروس الخصوصية بات ضرورة ملحة لما تسببه من فوضى ومشاكل في ميدان التربية والتعليم من وصول أسعار الدروس إلى أرقام فلكية خيالية تفوق طاقة الأهالي خاصة من ذوي الدخل المحدود وانتهاء بانتشار المراكز والمعاهد التربوية الخاصة المرخصة وغير المرخصة التي تتسابق في جني الأرباح دون حسيب أورقيب على حساب لقمة عيشنا وعيش أطفالنا.
على الجهات المعنية شحذ الهمم لترى ماذا يحدث في قطاع التربية والتعليم حتى لاتستفحل الأمور عندها يصعب معالجتها .
القطاع التربوي أمانة في أعناقنا جميعا علينا أن نحافظ عليه سليما معافى لأن فيه سلامتنا وسلامة أجيالنا فلنعمل فريق عمل واحد لإعادة الألق له ليبقى دائما محط فخرنا واعتزازنا وعزنا وعز أبنائنا.
محمود الشاعر