الطابق الذي كنت أقيم في إحدى شققه ،كان مخصصاً للزملاء المدرسين المصريين ،حيث كنا نعمل معاً في إحدى المدارس في مدينة “الخبر “السعودية ،في السنوات الأخيرة من القرن الماضي ..كنت المدرس السوري الوحيد بينهم وعلى الرغم من إحساسي بعدم الراحة ،في البداية غير أن هذا لم يستمر سوى ليوم أو يومين فقد أدهشني ترحيب الزملاء المصريين بي وخاطبني أحدهم قائلاً :
“ليه انت زعلان …الله …نحنا في بلد واحد اسمه الجمهورية العربية المتحدة …”
وعندما كنت أتأخر لبعض الوقت عن السهرة التي تجمعنا في غرفة المجلس كان واحدهم يقول لي :
“فين أنت ياراجل …ليه ما تخبرناش إنك حتتأخر !!”
في ذكرى قيام الوحدة السورية –المصرية ..أتذكر تلك الأيام وأتذكر كم هم طيبون أولئك الزملاء الذين عشت معهم …فالحديث عن الوحدة ذو شجون …تلك الوحدة التي تكالبت قوى العدوان والرجعية حتى أجهضتها وحصلت جريمة الانفصال .
بين الثاني والعشرين من شباط عام 1958والثامن والعشرين من أيلول عام 1961 كانت هناك جمهورية اسمها (الجمهورية العربية المتحدة و تضم إقليمين هما الإقليم الشمالي (سورية )والإقليم الجنوبي (مصر )…إنها دولة الوحدة التي أرعبت قوى الاستعمار والرجعية .
وكتبت تاريخاً عربياً مجيداً ,وشكلت قوة سياسية واقتصادية وعسكرية عربية ،ومدت يدها للعرب جميعاً ،على الرغم من تآمر بعض الأنظمة العربية ضدها .
حدثني أبي رحمه الله فقال :كنت سأسميك “جمال “لأنك من مواليد دولة الوحدة غير أنني كنت متردداً …وحسمت الأمر وأعطتك اسم جدك المجاهد في ثورة الشيخ صالح العلي ..!!
سنوات الوحدة شكلت غلياناً قومياً عربياً وحماساً من أجل تحرير فلسطين ،وكان لها امتدادها الفكري في الكثير من أرجاء وطننا العربي ،تاريخ الوحدة بصفحاته الناصعة جاء ليبدد ظلام التجزئة والتشتت ..!!صحيح أن الخطاب الوحدوي كان حماسياً وعاطفياً وشاعرياً ورومانسياً ،أكثر مما كان واقعياً وعملياً على الأرض لكن هذا ليس عيباً مطلقاً كما يردد البعض .
الذين لا يرون في الوحدة سوى أخطاءها ويركزون على الهفوات ، فلكل مشروع أخطاء ، ،يتناسون الثقل القومي الذي شكلته الوحدة بوجه الأعداء الأمريكيين والصهاينة وأذنابهم من العملاء والرجعيين وأن التيار القومي العربي الوحدوي تجذر بسبب الوحدة في البلدان العربية حيث ظهرت أحزاب وحدوية واشتراكية متعددة الأسماء لكنها في جوهر أهدافها عربية وحدوية وهذا هدف عظيم وعلينا أن نذكر أن حزب البعث العربي الاشتراكي قد حلَّ نفسه استجابةً للشرط الذي وضعه عبد الناصر لتحقيق الوحدة هذا من جهة ،ومن جهة ثانية أن سورية ممثلة يومذاك بوزير خارجيتها وعشرين ضابطاً من مختلف قطاعات الجيش العربي السوري ،زاروا القاهرة وطلبوا إقامة الوحدة .
إن سورية هي التي توجهت إلى مصر لإقامة الوحدة وليس العكس .
وهذه الدعوة لاقت تجاوباً سريعاً وحماسياً من مصر،فمشاعر العرب في كل أقطارهم مع الوحدة …
لكن السبب الرئيسي لوقوع الانفصال هو المؤامرة الدولية المدعومة من أمريكا والغرب والصهاينة بالتعاون والتنسيق بين بعض الأنظمة العربية التي أظهرت عداءها للوحدة!!
في ذكرى الوحدة ..تحية للشعب العربي العظيم من محيطه إلى خليجه الذي ينبض قلبه بدم عربي وحدوي .
عيسى إسماعيل