جشع التجار يلهب الأسعار ..سعر الصرف هو المتحكم الوحيد بحركة البيع والشراء

أفرزت الحرب الكونية التي فرضت على بلدنا الحبيب سورية تأثيرات كبيرة لم يعد بمقدور المواطن أن يتحملها أكثر, حيث باتت تثقل كاهله وتشكل ضغطا ً كبيرا ً عليه نفسيا ً واقتصاديا ً, خصوصا ً بعد أن فرضت قوى العدوان حصارها الاقتصادي الجائر على بلدنا في محاولة يائسة منها للحصول على مكاسب تحفظ ماء وجهها به من خلال الضغط الاقتصادي بعد أن فشلت بتحقيق أي مكاسب على الأرض خلال سنوات الحرب عبر وكلائها وأدواتها أو تدخلها بشكل مباشر.

وما زاد الطين بلة وجود البعض من تجار الأزمات الذين يكثرون في مثل هذه الظروف ويستغلون الأمور لصالحهم طمعا بالثراء السريع دون النظر لعواقب ما يفعلونه بحق أبناء بلدهم ,فيبدؤون باستنزاف مقدرات البلاد الاقتصادية بعدة طرق ,منها الاحتكار للمواد الأساسية أو المضاربة في سعر الصرف للعملة الوطنية ,مما يساهم بشكل كبير في خلق حالة من التضخم وارتفاع الأسعار بشكل جنوني يحقق لهم المكاسب والمغانم التي يشتهون ,والخاسر الوحيد في هذه الحالة هو المواطن الفقير الذي لا حول له ولا قوة ,حيث تكويه نار الحرب من جانبين الأول نفسي والثاني اقتصادي فتصيبه حالة من التشتت والضياع ويكون همه الوحيد هو تأمين دخل مناسب لعائلته تقيها العوز , أو اللجوء إلى أساليب ملتوية لم يألفها إنما الحاجة تدفعه إليها…
وللتعرف أكثر على وضع الأسعار وتقلباتها في السوق وانعكاساتها على المواطن جالت العروبة على الأسواق وكانت اللقاءات التالية …

ارتفعت بشكل جنوني
المواطن أحمد من حي كرم الشامي قال : منذ قرابة الشهر ارتفعت الأسعار بشكل كبير دون سابق إنذار وخصوصا ً أسعار المواد الأساسية التي تستهلك بشكل يومي ولا أحد يعرف سبب هذا الارتفاع المفاجئ, وعند السؤال عن السبب يبدأ أصحاب المحال بترديد الاسطوانة المشروخة : السبب هو ارتفاع سعر الصرف, وآخر يرجع السبب لارتفاع أجور نقل وشحن البضائع, والمشكلة أن انعكاس ذلك يقع على عاتق المواطن ,فهو المتضرر الوحيد من غلاء الأسعار..

بين حي وآخر
قال عيسى من حي الزهراء : لم يعد مفهوما تفاوت الأسعار بين حي وآخر ولا حتى سبب ارتفاعها بشكل عام فمن غير المعقول أن يكون سعر الخيار مثلا ً في أحد الأحياء يتراوح ما بين / 100 – 150 / ليرة سورية ,وفي حي آخر يكون السعر ما بين / 200 – 250 / ليرة وكل الخضار والفواكه يقاس عليها الأمر ذاته من حيث فرق الأسعار بين حي وآخر والفرق في الأسعار لا يقل عن / 50 / ليرة ,إلا في اللحوم يكون الفرق بالمئات حيث سعر كيلو اللحمة الحمراء في أحد الأحياء / 4500 / ليرة, بينما في حينا يصل السعر إلى / 5000 / ليرة .
وأضاف منذ فترة قريبة وتحديدا ً خلال شهر رمضان المبارك كانت الأسعار جيدة نسبيا ً وتناسب الحالة الاقتصادية للمواطن نوعا ً ما ولكن فجأة بعد عيد الفطر السعيد بدأت الأسعار بالتحليق عاليا ً للمواد الأساسية في حين انخفضت في بعض السلع كالفروج والبيض, حيث تراوح سعر كيلو الفروج الحي ما بين / 600 – 650 / ليرة سورية بعد أن وصل لحدود / 900 / ليرة للكيلو ,أما البيض فبات سعر الصحن وزن / 1800 / غرام وما فوق / 1100 / ليرة بعد أن وصل لحدود / 1400 / ليرة للصحن ..في حين صارت الفواكه حلما ً للمواطن الفقير أو المحدود الدخل..

أسعار مضاعفة في الريف
وقال وسيم: نحن في القرية يختلف وضعنا عن المدينة تماما ً من حيث الأسعار بشكل عام فالفرق في أسعار السلع والمواد الأساسية بين الريف والمدينة لا يقل عن / 150 – 200 / ليرة في كل كيلو غرام من الفواكه حيث وصل سعر كيلو الكرز إلى / 500 / ليرة سورية في حين أنه يباع في المدينة بسعر يتراوح بين / 300 – 350 / والمشمش سعره في المدينة / 200 – 250 / أما في الريف فيتراوح السعر ما بين / 300 – 350 / ..
والفرق في سعر الخضراوات متفاوت بشكل كبير أيضا ً حيث يزيد سعر الخيار والبندورة في الريف عن المدينة بقيمة / 100 / ليرة في كل كيلو ويعزو تجار القرية تفاوت الأسعار إلى ارتفاع أجور النقل من المدينة إلى الريف إضافة إلى « التسعيرة المرتفعة » أثناء البازار وهذه التكاليف الإضافية يجيرها التاجر على حساب المواطن المضطر للشراء منه..

حسب القناعة عند البائع
وعن سبب تفاوت الأسعار بين محل وآخر قال حسام صاحب محل : إن ارتفاع سعر الصرف بغض النظر عن كونه وهمي أم لا هو السبب الرئيسي, وهناك سبب آخر لا يقل أهمية هو قناعة البائع بنسبة الربح التي يريد تحقيقها فمثلا ً هناك تاجر يقتنع بنسبة / 5 % / كربح في المادة في حين آخر يضع نسبة / 15 % / وغيره / 25 % / ,ولكل منهم أسبابه الخاصة في ذلك ,ولكن المشكلة الأهم هي عدم صدور نشرة أسعار موحدة من مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك وتوزيعها على أصحاب المحال التجارية ليتم التقيد بها..

جشع التجار
أما خضر وهو صاحب بقالية فقال : إن ارتفاع الأسعار سببه جشع التجار حيث يرفعون الأسعار بشكل غريب ومفاجئ ودون سابق إنذار ,وأحيانا ً أخرى يخفضونها بشكل مفاجئ أيضا ً دون معرفة الأسباب التي تدفعهم لذلك ,و حينها من يملك بضاعة بالسعر القديم سوف يتضرر بشكل كبير إن خفض سعر بضاعته, كما أنه قد يتعرض لمخالفة تموينية في حال الشكوى ضده بسبب ارتفاع السعر , ما يجعل المواطن في حالة قلق مستمر من تذبذب الأسعار في السوق وكثير من أصحاب المحال أغلقوا محالهم لهذا السبب .

رسوم وضرائب
قال زياد صاحب إحدى صالات البيع: تتفاوت الأسعار ليس بفعل تبدل سعر الصرف للعملة الأجنبية التي يتخذ منها التجار ذريعة لرفع الأسعار بحجة أنهم يستوردون البضائع بالعملة الصعبة ولكن أيضا بسبب ارتفاع أجور المحال وصالات البيع وأجور العمال والموظفين وارتفاع الضرائب السنوية المفروضة على أصحاب هذه الفعاليات والتي تتدرج حسب حجم المحل وموقعه ونوعية السلع التي يتاجر بها ,فمحال بيع الخضروات والفواكه ليست كمحال بيع الثياب أو اللحوم وغيرها حيث لكل من هذه المحال تصنيفه وضرائبه .

ضوابط قانونية
وعزا أبو محمد وهو صاحب ملحمة لبيع لحم الخروف ارتفاع الأسعار لوجود تجار أزمة أصابهم الطمع والجشع فلم يعودوا يلتفتون بعين الرأفة لأصحاب المحال التجارية ولا للمواطنين الذين ترهقهم المصاريف الحياتية اليومية ..
وأشار أبو محمد إلى أن مهنته لا يوجد فيها أي ضوابط بل يتحكم فيها مجموعة من التجار الذين يقررون هم فقط سعر كيلو الغنم أو العجل في السوق ,فإن قاموا برفع السعر اضطر أصحاب الملاحم للرضوخ للأمرالواقع وباعوا بسعر مرتفع وهذا هو سبب ارتفاع سعر كيلو اللحوم في المحال ورغم صدور نشرة أسعار من مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك تحدد سعر مبيع كيلو اللحوم الحمراء فإن أصحاب المحال مضطرون لتجاوزها قليلا ً كون سعر الكيلو الحي مرتفع ,وبالتالي الالتزام بالنشرة يعني الخسارة الحتمية ,وأضاف :كثيرا ًمن الأحيان نبيع بضاعتنا بحيث نخرج لا غالب ولا مغلوب نظرا ً لتأرجح الأسعار .
حسب سعر الصرف
ويقول حسن تاجر جملة : نحن كأصحاب تجارة جملة لا يهمنا الربح الكثير والفوري بل على العكس الربح القليل والبيع الكثير هو الأهم بالنسبة لنا ,ونحن نحاول ألا تكون الأسعار مرتفعة ولكن عندما يرتفع سعر الصرف فإن التجار يرفعون أسعار المواد علينا وبالتالي نضطر نحن بدورنا لرفع الأسعار قليلا ً ولا أحد يعلم سبب رفع سعر صرف الدولار أو حتى رفع سعر المواد الاستهلاكية من قبل التجار ,فالكل يعلم أن الحكومة هي التي تمول المستوردات وبالتالي تدفع بسعر البنك المركزي وتبيع للتجار بنفس السعر ولكن على ما يبدو أن الطمع والجشع هما السبب الرئيسي في الموضوع ..

أجور النقل
أما حمزة أيضا ً تاجر جملة فقال : إن ارتفاع أجور نقل وشحن البضائع من وإلى المحافظات هو السبب الرئيسي والأهم في رفع الأسعار, إضافة لارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء كون أصحاب السيارات يتذرعون بعدم قدرتهم على تأمين الوقود اللازم لسياراتهم إلا من السوق السوداء وبسعر مرتفع مما يضطرهم لرفع أجور النقل والتجار بدورهم يحملون الزيادة بأجور النقل على المواد والسلع والمتأثر هو المواطن فقط لا غير .

نحن لا نحدد الأسعار
في حين قالت رنا وهي عاملة بيع في إحدى صالات السورية للتجارة مهمتنا فقط بيع المواد الاستهلاكية للمواطنين ولا علاقة لنا بالأسعار كونها تردنا من الإدارة المركزية بدمشق وهي تسعيرة موحدة لكافة صالات البيع التابعة للسورية للتجارة ..
وأشارت إلى أن معظم أسعار المواد التموينية التي يتم بيعها في صالات السورية للتجارة تقل عن سعر السوق بمقدار لا يقل عن / 10 % / وبذلك تحقق المؤسسة هدفها بالتدخل الايجابي في السوق..

نشرة موحدة
تحدثنا مع المهندس رامي اليوسف مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بحمص والذي بين أنه يوجد نشرة أسعار موحدة لكافة المواد الأساسية كالخضار والفواكه واللحوم والأجبان والألبان , من الواجب أن يتقيد بها كافة الباعة وأي مخالفة تعرض صاحبها للمساءلة القانونية أما بقية المواد التموينية فليس هناك نشرة تصدر من المديرية بخصوص هذه المواد وإنما يتم تسعيرها حسب الفاتورة والمنتج ,كالرز والسكر والمنظفات وغيرها من المواد التموينية ,ولكن المهم بالأمر هو تسعير المواد الأساسية التي تعني المواطن بشكل يومي ومديرية التجارة الداخلية تسير دورياتها بشكل يومي لمراقبة الأسعار وتنظيم الضبوط اللازمة بحق المخالفين، مبينا أنه تم تنظيم 279 ضبطا تموينيا بحق الفعاليات المخالفة الشهر الماضي.
أخيرا ً
بقي أن نقول: رغم كل المحاولات التي تقوم بها الحكومة لضبط حركة الأسواق وتخفيض الأسعار ومكافحة التهريب إلا أنه على ما يبدو يوجد من يستطيع التهرب من المراقبة ويتحكم بأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية التي يحتاجها المواطن بشكل يومي ,فمازالت الأسعار مستمرة بالصعود وسعر الصرف متابع صعوده رغم المحاولات الخجولة لتخفيضه, ويبدو أن جشع حيتان الأزمة وطمع التجار يزيد من لهيب الأسعار التي لا تكوي بلظاها سوى المواطن الفقير فهل بالإمكان أفضل مما كان؟ سؤال برسم المعنيين.
يوسف بدور
تصوير : الحوراني

المزيد...
آخر الأخبار