في حرب الاستنزاف التي تلت حرب تشرين التحريرية واستمرت اثنين وثمانين يوماً على الجبهة السورية مع العدو الصهيوني , سجل جيشنا الباسل ملاحم بطولية أرهقت العدو الصهيوني ولعل أهم تلك الصفحات في تلك الحرب , الصفحة التي تروي ملحمة المرتفع 2500 أو ملحمة ( قمة جبل الشيخ ) .
المرتفع 2500 هو قمة جبل الشيخ الذي يرتفع عن سطح البحر 2814 متراً.
ففي الأسبوع الأخير من نيسان عام أربعة وسبعين وتسعمائة وألف بدأ التخطيط والاستعداد لعملية اقتحام المرتفع والهدف قتل وأسر من فيه من الضباط والجنود الصهاينة المحتلين .
والهجوم سيكون بطريقة الصعود مشياً في طبيعة تكثر فيها المنحدرات والأودية وتعني أن يحمل الجندي المهاجم سلاحه وعتاده ..
وقد جرى الإعداد وبتوجيه ومتابعة يومية من القائد المؤسس حافظ الأسد ووقع الخيار على إحدى الوحدات الخاصة لتنفيذ المهمة وطبقاً لتوجيهات القائد المؤسس فإن الاشتراك في المهمة تطوعي ..وهكذا سجل مئات الضباط والعسكريين أسماءهم حماساً لتنفيذ المهمة اختير من بينهم تسعة ضباط وسبعة وعشرون عسكرياً .. وقاد العملية النقيب أحمد ديوب .
وفي اليوم الثاني من شهر أيار من العام نفسه , كان أبطالنا يتسلقون جبل الشيخ من جهتين : المجموعة الأولى من الشرق والمجموعة الثانية من الغرب (من الجهة اللبنانية ) .
اقترب الرجال بصمت من الهدف , وتوقفوا على بعد مئة متر من الموقع وشاهدوا الجنود الصهاينة وأربع دبابات معادية وموقع الرادار والهوائيات المعادية وسمحت لهم لياقتهم أن ينقضوا على الموقع لم يخطر ببال الأعداء انه يمكن مهاجمة الموقع .. انقضوا على طواقم الدبابات وهم في دباباتهم بنيران كثيفة جداً وألقوا القنابل اليدوية على المعدات والدبابات بعدما قتلوا اثنين وعشرين صهيونياً .. وأسروا ثلاثة جنود صهاينة قبل أن يتركوا الموقع مدمراً بالكامل وعادوا في مجموعتين واحدة باتجاه الشرق ومعها الأسرى والثانية باتجاه الغرب ومعها الملازم أول الجريح البطل فهيم اسماعيل الذي استشهد .. فحمله رفاقه الى الأرض اللبنانية ومنها عاد الجميع ليلتقوا في موقعهم في الثاني من أيار عام 1974 وقد استغرقت العملية عشر دقائق الى خمسة عشر دقيقة ..!!
وجد أبطالنا في استقبالهم كبار القادة حيث تقلدوا الأوسمة والرتب الجديدة التي منحها لهم تقديراً لبطولاتهم القائد المؤسس طيب الله ثراه .
في اليوم التالي أي الثالث من أيار تلقت وزارة الخارجية السورية طلباً عاجلاً وملحاً من وزير الخارجية الامريكي وقتها هنري كيسنجر لزيارة دمشق في إطار جولاته قبل اتفاق الهدنة .
وعندما التقى القائد المؤسس كان كيسنجر متلهفاً لمعرفة إن كان ثمة أسرى أسرهم أبطالنا من قمة جبل الشيخ لأن تفاصيل العملية لم تكن معروفة بل من تحدث عنها أولاً الصهاينة وقال كيسنجر « لعل قواتكم قد أخذت بعض الأسرى .. لقد طلب مني الرئيس نيكسون تحري الأمر ..!! »
مع أريج ذكرى حرب تشرين التحريرية تحية من القلب لجيشنا الباسل في حربه ضد الصهاينة وفي حربه ضد الإرهابيين التكفيريين .. الذي يكاد يطهر تراب سورية كاملاً من رجسهم .. وستبقى كلمة سورية هي العليا .
عيسى إسماعيل