أهالي قطينة مازالوا بإنتظار تحقيق الوعود… هل العقد الجديد لإعادة تأهيل وتطوير معامل شركة الأسمدة يحد من تلوث البيئة ؟
لا يزال أهالي قطينة والسكان القاطنون في محيط الشركة العامة للأسمدة من كل جهاتها ،يعانون من الملوثات الغازية والسائلة والصلبة التي تطلقها معامل الشركة الثلاثة ،رغم قيام الشركة بعدد من الإجراءات التي من المأمول منها أن تخفف من نسبة الملوثات المنطلقة ،كتنفيذ دارة مياه مغلقة للتخلص من مادة الفوسفوجبسوم الملوثة (مخلفات صناعة الأسمدة الفوسفاتية )بشكل آمن ،وهذه المياه تصب في أحواض تجميع وترسيب أنشئت في منطقة الوعر ،واستبدال شبكة المجارير الداخلية في الشركة ،وكذلك تركيب فلاتر تصفية في المداخن التي تطلق الغازات والأدخنة السامة ..وغيرها .ولكن هذه الفلاتر سرعان ما تعرضت للاهتراء جراء الأكاسيد المنطلقة ،فبطل مفعولها ولم تعد الشركة شراءها وتركيبها لأنها مكلفة مادياً وغير فعالة …
المشكلة لم تنته
رغم الإجراءات التي تم تنفيذها لم تنته مشكلة تلوث البيئة التي مضى عليها حوالي 40 سنة ،دون وجود حلول جذرية .مع العلم أن هذه المشكلة أشبعت بالكتابات والمقالات وبالاجتماعات المحلية والوزارية ،وتشكلت لها عدة لجان محلية ومركزية ،وصدرت بشأنها عدة قرارات ، مازالت تراوح في مكانها ، واستمر التلوث يضر بالإنسان وبالتربة والزراعة ومياه بحيرة قطينة .وكان هناك بريق أمل لدى الأهالي بعد أن سمعوا وعرفوا بوجود خطة لإنشاء معامل أسمدة بديلة عن القائمة حالياً ،في مناجم الفوسفات الخام بمنطقة تدمر ،لكن هذه الخطة بقيت حبراً على ورق وتلاشت آمال الناس .
وخلال سنوات الحرب التي شنتها الدول المتآمرة على سورية ،تأثرت كافة قطاعات الحياة ،ومنها معامل الأسمدة التي كانت تعمل لعدة أيام ،وتتوقف لعدة أسابيع أو أشهر، وهذا يعني أن تلوث البيئة استمر ولكن نسبته مختلفة من وقت لآخر .وفي الأشهر السابقة من العام الحالي بدأ معمل السماد الفوسفاتي بالإنتاج ولو بخط واحد ،واستمر بالعمل بشكل متواصل لعدة أشهر ،فانطلقت الملوثات بكثافة ما أرق حياة أهالي قرية قطينة من جديد وفي أذهانهم سؤال إلى متى يبقى هذا الوضع ؟.
عقد جديد …وأمل جديد
حصلت العروبة على معلومات من مصدر موثوق تفيد بأن المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية في سورية وقعت مؤخراً عقداً –كطرف أول – مع شركة « أس تي جي «محدودية المسؤولية الروسية – كطرف ثان – وقد اتفق الطرفان – حسب ما ورد في نسخة العقد –على عدة بنود منها : الغاية الأساسية من العقد القيام بأعمال إعادة التأهيل والتشغيل وتطوير وتدريب العمال وتوطين التكنولوجيا الحديثة لاستثمار معامل الأسمدة ورفع الطاقات الإنتاجية الفنية والخدمية وصولاً للطاقة التصحيحية بما يحقق الريعية الاقتصادية للطرفين المتعاقدين .
ويعد موضوع العقد رغبة الطرفين في رفع الإنتاج وتحسين العمل في الشركة العامة للأسمدة ، والذي يستدعي تحقيق عدة غايات كتحسين الوضع الفني لمعامل الأسمدة وتخفيض تكاليف الإنتاج وزيادة الأرباح والعوائد الاقتصادية المنشودة ,توطين التكنولوجيا الحديثة لكافة خطوط الإنتاج , وتحسين الوضع البيئي للمعامل ,ومدة العقد 40 سنة على أن تبدأ الشركة الروسية بالعمل في بداية العام القادم .
وقد تفاءل الكثير من الناس بالخير فيما يتعلق بالحد من تلوث البيئة ،بعد أن علموا بهذا العقد، لكن الفقرة المتضمنة ( تحسين الوضع البيئي ) جاءت عامة وغامضة ولا يوجد دفتر شروط لكيفية تحسين الوضع البيئي ، ما جعل العديد منهم يخشون تكرار عدم الاهتمام بالوضع البيئي في عقود مماثلة سابقة ، والتركيز على أعمال الصيانة وزيادة الإنتاج ، وهذا يعني أن الأمل الجديد يمكن أن يتلاشى تدريجياً ، إذا لم يلق تلوث البيئة الاهتمام الكافي أثناء تنفيذ بنود العقد الجديد.
إعداد مذكرة
وفي هذا المجال نشير إلى أننا تواصلنا مع مديرية البيئة بحمص التي ذكرت أن ليس لديها معلومات عن هذا العقد بشكل رسمي، سوى عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي ، وأكدت أنها ستعمل للحصول على نسخة من العقد ومعرفة بنوده وفقراته وخاصة مايتعلق بالوضع البيئي ، وستعد مذكرة تتضمن الاشتراطات البيئية المطلوبة للحد من تلوث البيئة ..
بعد إعادة التأهيل
وفي حديث آخر مع الشركة العامة للأسمدة أوضح مصدر فيها بأنه ليس لديهم معلومات تفصيلية عن كيفية تحسين الوضع البيئي في المعامل سوى العبارة التي وردت في العقد الموقع مع الشركة الروسية « تحسين الوضع البيئي للمعامل « لكن المصدر أكد أن إدارة الشركة ستصر على أن يكون التشغيل في المستقبل بعد إعادة التأهيل ضمن حدود المواصفات العالمية لانطلاق الملوثات الغازية والسائلة
عودة إلى الوراء
إذا عدنا إلى الوراء ومن بداية متابعتنا لموضوع التلوث الحاصل في قطينة وجوارها نشير إلى أنه تم تشكيل عدة لجان محلية وأخرى وزارية اجتمعت وتدارست الوضع البيئي ، وصدر عنها توصيات ومقترحات عديدة تؤكد اتخاذ الإجراءات والحلول التي تحد من تلوث البيئة ، ولكن لم يتم تنفيذ أي إجراء لذلك بقي التلوث قائما ً بل يزداد تفاقما ً وخطرا ً بسبب كثرة الأعطال وقدم معظم التجهيزات والمعدات ، ومتابعة لهذا الموضوع قام محافظ حمص سابق بتاريخ 28-6-2005 بإرسال مذكرة إلى رئيس مجلس الوزراء تضمنت مايلي:
من خلال متابعة الوضع البيئي في محافظة حمص وبشكل خاص المناطق الواقعة بجوار شركة الأسمدة .. لايزال الوضع البيئي مترديا ً جدا ً في كافة المجالات .. وبالرغم من الجهود المبذولة ، فإن واقع التلوث البيئي مازال قائما ً وربما يزداد سوءا ً نتيجة لقدم المعامل وتجهيزاتها ، وبتاريخ 13-4-2005 كان قد صدر قرار عن مدير عام شركة الأسمدة يقضي بتشكيل لجنة مهمتها إعداد دفتر شروط لإعادة تأهيل معمل السماد الفوسفاتي ، وهذا يتعارض مع التوصيات والاقتراحات التي وضعت سابقا ً من قبل لجان فنية شكلت لدراسة الوضع البيئي في قطينة ، وبناء على ذلك عقد اجتماع في هيئة تخطيط الدولة بدمشق بتاريخ 31-7-2005 بحضور وزير الإسكان والتعمير ووزير الصناعة ومحافظ حمص ومدير مؤسسة الصناعات الكيميائية ، مدير الهيئة العامة لشؤون البيئة ، لبحث المذكرة المقدمة من محافظ حمص حول عملية إعادة تأهيل معمل السماد الفوسفاتي، وتم في نهاية الاجتماع الاتفاق على عدم التوسع في الشركة العامة للأسمدة , ويستمر العمل في معمل السماد الفوسفاتي الحالي ريثما يتم إنشاء معمل آخر في خنيفيس خلال السنوات الخمس القادمة .
وبتاريخ 24-9-2005 عقد اجتماع موسع في مقر شركة الأسمدة بحضور وزير الصناعة ، ووزير الإدارة المحلية والبيئة ، ووزير الري ، ومحافظ حمص ، واتفق المجتمعون على عدة أمور منها :تشكيل لجنة لمتابعة الإجراءات الفنية لتخفيف التلوث ,وتوجيه شركة الأسمدة لإلغاء الإعلان عن استقدام خبرة شركات مختصة لإعادة تأهيل معمل السماد الفوسفاتي .
و العمل على إنشاء معمل بديل للسماد الفوسفاتي في مدينة تدمر ضمن خطة وزارة الصناعة ، وتأمين المياه اللازمة وفق خطة وزارة الري .
محضر تعاون وتفاهم
وبعد مرور حوالي ثلاثة أشهر على الاجتماع المذكور، ذهب وزير الصناعة السابق مع لجنة فنية إلى تونس ، حيث وقع مع وزير الصناعة والطاقة التونسي محضر تعاون وتفاهم بتاريخ 20-2-2006 جاء فيه .. اتفق الجانبان على قيام شركة تونسية بتقديم عرض فني ومالي أولي لإعادة تأهيل معمل السماد الفوسفاتي بحمص , وتدريب عدد من الفنيين السوريين في المصانع التونسية للأسمدة بغية رفع كفاءاتهم الفنية .
والاستفادة من خبرة الجانب التونسي في معالجة التلوث البيئي الناجم عن صناعة الأسمدة .
وللعلم فقد سبق لشركة تونسية أن قامت في عامي 1995 – 1996 بإعادة تأهيل معمل السماد الفوسفاتي ورفع طاقته الإنتاجية … ولكن للأسف لم يبد الطرفان ( السوري والتونسي ) أي اهتمام لموضوع تلوث البيئة أثناء وبعد إعادة تأهيل المعمل، بل على العكس زادت نسبة التلوث أكثر جراء إلغاء دارة معالجة غاز الفلور الضار جدا ً والذي أصبح ينطلق في الجو حرا ً .
اجتماعات ولجان أخرى
وصلت نسخة من المحضر المذكور إلى محافظ حمص في حينها الذي قام بإرسال مذكرة إلى رئيس مجلس الوزراء , أشار فيها إلى أن ما ورد في المحضر الذي وقعه وزير الصناعة في تونس مناقضاً لقرارات اللجنة الوزارية التي هو عضو فيها والتي اجتمعت بتاريخ 24-9-2005 وكان نتيجة ذلك توقف العمل بخطة إعادة تأهيل معمل السماد الفوسفاتي .
وبعد ذلك صدر عن نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية قرارا ً بتاريخ 26-2-2006 يقضي بتشكيل لجنة فنية وهذه اللجنة اجتمعت في هيئة تخطيط الدولة وبحضور عدد من المختصين والمهتمين بالشأن البيئي من حمص بتاريخ 13-4-2006 , حيث استعرضت محضر الاجتماع المنعقد بهيئة تخطيط الدولة بتاريخ 31-7-2005 ومذكرة محافظ حمص وتوصل المجتمعون إلى أن معامل الأسمدة تؤثر بشكل سلبي على البيئة المحيطة ( زراعة – سياحة – بحيرة قطينة – هواء – الخ ) وخاصة على السكان القاطنين بجوارها , وإلى ضرورة الإسراع بإنشاء معامل أسمدة جديدة في أماكن الإنتاج وبعيدة عن التجمعات السكانية وبمدة زمنية لا تتجاوز الـ 5 سنوات , والتأكيد على وزارة الري الإسراع بتنفيذ مشروع جر المياه من نهر الفرات إلى تدمر تزامناً مع إنشاء معمل الفوسفاتي الجديد .
وعود مؤجلة
وجاءت تطمينات إضافية على ما ذكرنا عام 2006 عندما زار حمص نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية في ذلك الوقت ومعه فريق عمل حيث قاموا ومعهم محافظ حمص بجولة إلى عدد من مواقع العمل الهامة بالمحافظة وخلال الجولة توقفوا أمام مقر بلدية قطينة حيث كان عدد من أهالي القرية بانتظارهم واستمعوا إلى شكواهم على الأضرار الصحية التي يتعرضون لها جراء ملوثات معامل الأسمدة وقال محافظ حمص لهم : اطمئنوا هذه المعاناة ستنتهي خلال خمس سنوات قادمة بعد أن يتم إنشاء معمل جديد للسماد الفوسفاتي في منطقة تدمر .
وطمأنهم ( نائب رئيس مجلس الوزراء السابق ) أكثر عندما قال : إن المدة اللازمة لإنشاء معمل جديد لا تزيد عن أربع سنوات .
بعد ذلك مرت الخمس سنوات الموعودة وسنوات أخرى دون وجود أي مؤشر على أن العمل بالمعمل الجديد قد بدأ فتلاشت آمال الناس واعتبروا أن تلك الوعود المطمئنة والبراقة عبارة عن جرعات مهدئة إن لم تكن مخدرة لبضع سنوات قادمة وبالفعل تبخرت آمال أهالي قطينة خاصة بعد أن علموا أن وزير الصناعة السابق قام خلال الشهر الأول من عام 2009 بزيارة إلى شركة الأسمدة وأعطى تعليماته للشركة بشأن تشكيل لجنة لإعداد دراسة من أجل إعادة تأهيل معمل السماد الفوسفاتي مبيناً أن هناك عرضاً من قبل شركة هندية لتأهيل المعمل دون أن يتطرق إلى تدهور الوضع البيئي .
تعليق
في ذلك الوقت أجرينا اتصالاً هاتفياً مع مدير شركة الأسمدة حيث أكد ما وجه به وزير الصناعة بشأن إعادة تأهيل معمل السماد الفوسفاتي مبرراً أن القطاع الزراعي بحاجة كبيرة لأسمدة فوسفاتية والمعمل بوضعه الحالي غير قادر على تأمين احتياجات المزارعين نظراً لكثرة الأعطال والتوقفات .
ولدى سؤاله عن أسباب إهمال الجانب البيئي ؟ أجاب : من المفروض أن تأخذ اللجنة المشكلة لإعادة التأهيل موضوع تلوث البيئة بعين الاعتبار خلال الدراسة .. ولكن إعادة التأهيل لم تتم !
وعلى كل حال إذا سلمنا بمقولة إن القطاع الزراعي بحاجة ماسة إلى أسمدة لأنه يشكل صمام الأمان للأمن الغذائي وبالمقابل اهمال الجانب البيئي الذي يؤثر على صحة الناس ألا يعني ذلك أن لا قيمة للإنسان الذي يعتبر العنصر الهام والفعال في أي قطاع من قطاعات الحياة ؟!
نأمل من العقد الروسي الجديد ألا يخيب آمال الناس في الحد من تلوث البيئة !!
رفعت مثلا