أترى كان أجدادنا يعيشون في قلب ثقافة المقاومة ولكن بشكل عفوي وبسيط أترى كانوا مقاومين في تطلعاتهم وخيالاتهم ؟!
مازلت أذكر أننا كنا نمضي ليالي الشتاء في النصف الثاني من الخمسينات متحلقين حول الموقد الذي تغفو فيه النار بهدوء وبطء , وكنّا – كتلاميذ في المرحلة الابتدائية نقوم بمهمة نراها عظيمة وهي القراءة في السير الشعبية على مسامع أجدادنا وجداتنا , والجميع آذان صاغية , فكم قرأنا – تغريبة بني هلال – وأعجبنا ببطولات أبي زيد الهلالي !! وكم جوّدنا في ترنيم قصائد الزير سالم ! ولم نكن نعلم يومها أن هذه السير الشعبية كتبها الضمير الجمعي للناس في فترات احتلال متعاقبة بدأت مع الاحتلال الإفرنجي – الصليبي – لبلادنا , وأن إبراز هؤلاء الأبطال : أبو زيد الهلالي , دياب غانم , الزير سالم .. لم يكن إلا رد فعل على واقع لاحدود لرداءته في مجالات الحياة كلها , ولم يكن هؤلاء الأبطال إلا تجسيداً لأحلام الناس في الخلاص , وتطلعاتهم الى الانتصار على قوى الاحتلال والعبودية ثم أصبحت هذه الأحلام واقعاً فيما بعد ولذلك لا نعرف لهذه السير الشعبية كاتباً , ونقول : إن الضمير الجمعي للناس قد كتبها في تلك الحقب السوداء للتعبير عن توقه لإجلاء السواد عن طريق إشراق يجلوه سحابة بعد سحابة . واليوم ألا يجدر بنا أن ننهض نهضة حقيقية بثقافة المقاومة وخصوصاً أننا نحيا مرحلة تاريخية هي الأقسى والأصعب.
أليس من واجبنا أن نحول كل مقاوم للاحتلال الصهيوني , كل مقاوم للعصابات التكفيرية المسلحة الى بطل سيرة شعبية يتناقلها الناس ويرسمون لها أبعاداً أسطورية هي أبعاد أحلامهم في الانتصار على قوى العدوان ؟!
إن لدينا من السير الشعبية البطولية المعاصرة ما يكفي لملء مجلدات ولكن مانريده أن نملأ بها أذهان الناس و ذاكراتهم …أليس صمود إدارة المركبات في حرستا سيرة شعبية معاصرة لها أبطالها الذين علينا أن نجعلهم رموزاً ؟.
أليس في صمود حامية سجن حلب , وحامية مشفى الكندي أكثر من سيرة شعبية وأكثر من بطل ؟! وماذا أعدد من المواضع التي سطر فيها المقاومون سيراً لا تحصى في مواجهة الهجمة العدوانية الأشرس لاقتلاع سورية الدولة المقاومة من الوجود ؟!
أنا أرى أن ثقافة المقاومة تكمن هنا , وهي الثقافة الوحيدة التي تقف في مواجهة ثقافة العنف الوحشي التي ينشرها الأمريكي الصهيوني ومن لف لفه , وأعتقد أن من كان قديماً يركب على القصبة ويقول أنا أبو زيد الهلالي , أنا الزير سالم بعد أن استوعب السير الشعبية سيتجسد حديثاً فيمن يحمل البندقية ويقول : أنا عماد مغنية , أنا عصام زهر الدين , أنا سمير قنطار , أنا عمار شريفة , أنا عبد الله الشاعر …!!!
د. غسان لافي طعمة