ها هم في يوم الخميس .. وها هي نهاية الأسبوع قد أزِفَت، وحانَ قِطافُها!! بالخميس، يزهرُ كلّ شيء، الزّمن يتهادَى مُغتبِطاً مزْهوّاً، والناس في هدوء وهناءة، وراحة واستراحة، والكلّ يتلذذّ بحلاوة الوقت وطلاوته؛ فالنّهارُ فيه مُشمسٌ، الليلُ رَهْوٌ، فيهما يتمطّى الزمن بكلّ نغم واسترْخاء، ضارباً عرض الحائط بثقل الأيام المنصرمة، وانشغالاتها، ومتاعبها! ها هو البحّار والكاتب والعامل والسّائق والموظف والفلاح والطبيب والتاجر والمهندس.. إلخ، يصلون إلى شاطئ الخميس، بعد تعبٍ ليسترِيحُوا، بل ليَسترْوِحُوا بظلال البيت، إلى جانب الوالدين، إلى جانب الزّوجة والأبناء، مع الأقرباء والأصدقاء، ولكلّ اجتماعٍ طعمُه الخاص، وحلاوته المُستحبّة، وموسيقاه الحالمة! حينها وعندها، ينسى المرءُ أعباء العمل، وتلاوِين النفس، وضجيج الحياة، وما اعترضه خلال أيام الأسبوع منْ همومٍ ضاغطة، ومشاغل باهظة!! يا يوم الخميس، ها هي مظلّتك الوارفة، تفرش أجنحتها، والكلّ في سِحْرِ الوقت وحلاوته، السؤال مُفادُهُ: أليس من المفارقات العجيبة، أنّ أبطال الميادين الميامين، الذين يقاتلون منذ ثماني سنوات، لا يعرفون أيَّ طعمٍ للرّاحة، ولا أيّ استرْخاء، لا بيوم الخميس، ولا بِسِواه!! حقّاً إنّهم لا يستريحون كغيرهم، بظلال البيوت والمزارع والمحالّ والفيلات والشّاليهات والمَصايف والمطاعم والمقاهي والاستراحات، ولا يتنعّمون بجلسات الخميس الهانئة، لأنّهم بأعماقهم ، يحملون همّاً غالياً، وهدفاً أغْلى، هو “تحرير الوطن منْ شذّاذ الآفاق، من الإرهابيين المُرتزقة، أرْباب الجرائم”!! إنّ راحة رجال الميادين، تتجلّى يوم يُورِقُ الصّخر، وتُزهر البادية والصحراء، وتمتلىء ساحات الوطن بأشعّة الشمس الدّافئة، وتعلو ضحكات الأطفال عالياً، ببيوتهم ومدارسهم، ومدارج طفولتهم، وميادين فرحهم! فالأبطال على نقاوةِ سرائرِهم، وقوةِ معنوياتهم، وتجذّرهم بالأرض الغالية، لا يسمحون ليوم الخميس، أنْ يدغدغَ مشاعرهم، أنْ يستهويَهم، فالذي يضمرونه بينَ أضلاعهم أكبرُ وأعظمُ وأهمُّ من أيّة “استراحة خميسيّة”.. نعم إنّهم لا يعرفون استراحة لنهاية الأسبوع، ولا عطلة بأيام الأعياد، فكلّ الأيام بقناعتهم أيامٌ للتضحية، والانتصار، والإيثار، وتحرير الأرض الطهور من دنَس الإرهابيين، ومن دمويّتهم العَمْيَاء! الحقَّ: لا فرق عندهم بين يوم وآخر، بين شهر وشهر، بين سنة كبيسة وغير كبيسة، فَلونُ الأيام عندهم متشابه، فالهدف العظيم قاسمٌ مشترك، يجمعُ الكلَّ في بُوتقة الطّهر والإباء! لقد أقسمُوا بأغلظ الأيمان، أنْ ينعمَ أطفال الوطن عموماً بهناءات الخميس وسواه، إلّا هُم، وأنْ ينام المواطنون العُزّل في بيوتهم، وهُم بأعلى درجات الطمأنينة والرّاحة، بينما رجال الشمس الصّناديد، يواصلون أنْهُرَهُم ولَياليَهم، بالحرّ والقرّ، يتصدّون للمجرمين الموْتورِين، الذين باعُوا ضمائرهم الفاسدة، وعقولهم المُسطّحة لأسيادهم، بالداخل والخارج، ولِمَنْ استأجرُوهم بِحفنةٍ منْ سفاسفِ الحياة، وبالقليل البَخْس من الدّولارات، لتدمير “سورية الصّمود والمُمانعة”!! لكنْ أنَّى لهم ذلك، ما دامت العيون الساهرة، والقوى الرّديفة، والأصدقاء الأوْفياء، بالمرصاد لكلّ المارِقين؟ إضافة إلى الذين يسهرون على راحة العباد والبلاد، هناك مَنْ يسهر يوم الخميس وغيره من أيام الأسبوع، على راحة ولدِهم المُعَاق أو المُصَاب، على راحة ابنتهم المُعَاقة أو المُصَابَة، على راحة أحد الوالدين المُعوَّقَين، “أصحاب الإرادات الصّلبة”، وهناك آباء وأمّهات يعملون على مدار الأيام، ليؤمّنوا لفلذات الأكباد اللقمة النظيفة، والسّكن اللائق، والمصروف اللازم، على مَقلبٍ آخر، هناك داخل سجون العدو، وبالزّنازين الإفراديّة الضيّقة، مئات المئات من الأبطال الأعزّاء، الذين احتجزهم الكيان الإسرائيلي العنصري، ظلماً وتجنّياً، غيَّبتْهم عنْ ذويهم، عنْ أمّهاتهم وآبائهم، عنْ زوجاتهم، عنْ أولادهم، عنْ منازلهم وبيّاراتهم، عنْ نسائم الحرية والحياة، منهم مَنْ أمضى بزنزانته أو بسجنه أكثر منْ عشرين إلى ثلاثين سنة، فهل نَعِمَ أمثال هؤلاء الأبطال بأيّ خميسٍ منْ خمِيسَاتنا الهانِئة، نحن القرّاء والكتّاب والعامّة والجمهور..؟ وهناك بالدّاخل السّاخن، بفلسطين الجرح النّازف، “قضية العرب الأولى”، هل ينعم الأطفال والشباب والنساء الحَجّاريون المُنتفِضُون بأيّة هناءةٍ خميسيّة؟! أم أنهم يقاتلون العدوّ، بكلّ وقت، وكلّ حين، بالأسلحة المتوافرة، على رأسِها: سلاح الإيمان بعدالة قضيّتهم، وسلاح الحجارة المتيقظة، وسلاح الإضراب عن الطعام، الذي آتى ثمارَه، وأجبرَ بِكلّ مرّة، العدو الإسرائيلي المُتعنّت، على الرُّضوخ لمطالبهم المُحِقّة، خشية أنْ تنفجر بعموم الأراضي الفلسطينية انتفاضةٌ عارِمة، لا تبقي ولا تذَر!! و “النَّتِن – ياهو”، رئيس وزراء العدوّ، وطغمته المجرمة، يعرفون العواقب الوخيمة لعنفوان هذه الانتفاضة، وتأثيراتها الباصِمة على المجتمع الإسرائيلي، على أمنه، على اقتصاده، على قطعانه المُدَجّجَة، على المؤسسات، والجامعات، والمطارات، على الحركة المروريّة، على كلّ شيء، فهل يَرْعَوِي العدوّ النّازيّ، فيكفّ عنْ عنصريّته وإجرامه، بحقّ أصحاب الأرض التاريخيّين؟ لا أعتقد ذلك بتّاً وقطعاً، وقولاً واحداً!
وجيه حسن