إن الملكة الشعرية جذوة من طاقات تصطلي في ذات المرء مواقد من إلهام , تسترحم في أصالة إبداعها ثلاث الأثافي . ولا سيما عندما تأتي على سفر قافية ترود أكثر من مطولة , أو أكثر من مقطعة , هيولى حضورها تكوثر إبداع ينسرب بين أعطاف لتجليات من رؤى , وعوالم من حدس جمالي , وقد انتشت غراسها في حقول خصيبة لقراءات معرفية , تبدو نضائد من صقيل يعكس وعي الثقافة في جُمل مثقفة , و دربة غائرة في أعماق التراث حتى لكأن صاحب تلك الشعرية الفاخرة حاضر السبر يواكب طموحاً , تكثفه درة غائص , وقد راح يعيش زهو الأعماق في دنيا كل اكتشاف ينهض به بوح تؤكده مفهومات جديدة بشعرية طافحة المشاعر والانفعالات , وغنية المعاني والرموز والدلالات مع ألمعية في تصورات تحمل من الدهش في الابتكار ما يجعل التعبير أكان في كلمة أم تركيب أو صوغ تعبيري كأنه بيت القصيد أو مناط القول . فما أكثر القصائد التي مرت عليها الأعصر , واجتهد بها واقع ما تزال واحات في صحاري ومفازات ! إذ مرد ذلك تلك الشعرية الفاخرة المضمخة بعبق الإحساس , والباذخة تساوق قمم في المحتوى والمضمون ثقافة فكر وسعة أفكار , وقد جاءت أنماطاً وترانيم لشاعرية وشاعر نقرأ الحرف فيها دنيا من جمال إبداعي يحلق بجناحي الصوغ تطريزاً موشى , و الواقع محاكاة مقصبة الألوان تطرق تلك الشعرية مناحي الحياة كلها بنبالة حرف بناء لخير الإنسان والحياة وكل بناء يلامس شغاف كل ضمير حي .
إن الشعر قد يبدو في كلمة تحمل طاقة تعبيرية شعورية ودلالة رمزية ترسم تفاصيل حياة في مقاربة كل تفكير وهذا يؤكد أهمية الشعر نوعاً والشعرية خاصية في الإبداع , وبكليهما تتضح ملامح الشعر إرهاصات ومكانة الشاعر المبدع من جانب آخر . فالشعرية حجر أساس لصرح الشعر أكان في مرتسمه بنى تراثية أو حداثة تشرق بها فضاءات الواقع والواقع المتعولم أيضاً بما يحمل من تدفق معرفي ومستجدات ما بين تشدنا بأصالتها وغيرها بما يصابه من غبش في متغيرات حدودها المدى . ما بين الغموض في بعض منه في التراث شعراً , وما يتراءى عبر الحداثة من جانب آخر , و كثرة استسهال مقاربة حب الشعرية والتعبير عن أنا شاعرة عساها تجد لذاتها ديواناً . لكن في قراءة الشعرية مثاقفة ماض وحاضر أصالة ومعاصرة فإن وعي النقد في قراءة الشعرية بمعناها الفاخر قد تصطفي , وتصطفي . مع التأكيد على جمال الغموض بما يختزن من علم ومعرفة و إبداع وحسن صوغ فقد يكون كثيراً من الشعراء لكن قد لا نقرأ كثيراً من الشعر.
إن الشعرية غنائية الروح في مدارات الذات والوجود تصورات ورؤى , وكذلك صفحات تلوح بها الحياة وتبرزها قواف و تتأصل بها جماليات عرائش هي شعرية فاخرة . قد يستغلق الفهم علينا جرّاء غموض هنا , أو إيحاء رمزي هناك , لكن غنى القراءات المعرفية الدّسمة تفسح لنا فيضاً من الإدراك وتحفّز عندنا الكثير من التملّي في جماليات الغموض والرمز , فبكليهما يتجدد الانبعاث المعرفي في معطى التناص وسعة الاكتشاف وقراءة التميّز في الشعرية صوغاً وطريقة ومحتوى مكين الجمع بين الذّات المبدعة والآخر الناقد فتغدو الشعرية وفق ثقافة مبدعها شعرية فاخرة باذخة ومنذ زمن في التراث وبعض معايير النقد قالوا: “.. أفخر الشعر ماغمض , فلم يعطّلك غرضه إلا بعد مماطلة منه..”
نزار بدّور