منذ بدء التاريخ البشري وصولاً إلى العصر الحديث شكل الملح المادة الأكثر أهمية التي بذل الإنسان جهوداً مريرة للحصول عليها عبر العصور ومنذ استقرار الجنس البشري عبر الزراعة وتدجين الحيوانات برز الملح كمادة أساسية يحتاج إليها الإنسان والحيوان ومادة لحفظ الأطعمة وقبل التبريد شكل التمليح الأسلوب الأساسي لحفظ اللحوم والأسماك والأجبان ومشتقات الحليب ولم يكن عبثاً أن المهاتما غاندي اختار الملح ليكون مدخلاً إلى استقلال الهند عن بريطانيا ،وبهذه المناسبة فان روسيا القيصرية وفرنسا قبل الثورة الفرنسية كانت الحكومة فيهما قد فرضت ضريبة الملح التي كان بموجبها يفرض على كل شخص في البلاد أن يبتاع كل سنة مقداراً معيناً من الملح، وفي الحضارات القديمة روى هيردوتس أن الملح كان مصدر ثروة كبير لمناطق متعددة في ليبيا في العصور القديمة وكان اليونان يحملون ما يلزمهم من الملح عبر شواطىء البحر الأسود وكانت الهند تزود جيرانها بحاجاتهم من الملح الصخري والبحري لمدة طويلة حتى قبيل وصول الاسكندر المقدوني إلى تلك البلاد وفي الصين عثر على حفريات تعود إلى (6) آلاف عام تشير إلى إنتاج واستهلاك الملح على نطاق واسع في مختلف مناحي الحياة.
في مصر القديمة استخدم الملح منذ القدم في صناعة السمك المملح وهي إحدى أشهر الصناعات في مصر القديمة وقايضوه بخشب الأرز خلال عملية التبادل التجاري وفي تدمر الحضارة كان لتجارة الملح دور كبير في الثروة التي عرفتها تدمر في الأزمنة الغابرة فقد كانت أرضاً غنية به وكان ينقل إلى الخليج العربي وبالأخص إلى الكويت حيث عثر الدكتور بهجت القبيسي على نص كتابي(نقش) يتحدث عن تجارة الملح بين تدمر والكويت، كما كان ينقل غرباً إلى بعض المناطق السورية وخير شاهد على ذكر الملح هو القانون المالي التدمري الجمركي الصادر من مجلس الشيوخ والشعب عام 137 ميلادي حيث ورد رسم الملح بلفظة الآرامي (مليحيا) وهناك غرامات على البيانات الجمركية الكاذبة تصل إلى 200% وهنا لابد لنا من الحديث عن مصدر الملح (الملاحة) سبخة الموح 20 كم جنوب شرق تدمر منطقة منخفضات تصب فيها المسيلات المائية مياهها شديدة الملوحة حيث تقدر ملوحتها بـ 300غ /ل وهذه المياه غير صالحة للاستخدام البشري وتبلغ مساحة الملاحة بحدود /30/ كم2 .
ملح تدمر يمتاز بنقائه وصلاحيته للاستهلاك البشري خاصة أنه لايحوي أي مادة سمية واستثمار ملاحة تدمر مفيد جداً للمخزون المائي وان عدم استخراج الملح يعرض المناطق المحيطة للتملح ويؤثر سلباُ على المياه العذبة والأشجار والمزروعات المجاورة نتيجة تراكم الملح بالمنطقة ويشكل مصدر دخل يعيل مئات الأسر ويساهم في حل ومكافحة مشكلة البطالة إضافة إلى تأمين إيراد مالي لخزينة الدولة.
جميل القيم
المزيد...