صورة أولى:
في بدءٍ، لستُ الوحيدَ الذي كنتُ أراه بالشارع العام، حيث الازدحام بأعلى منسوبٍ له.. كلّنا نراه، يتحرّك وسط السيارات، تقع قلوبنا عليه: شاب مُعوَّق، بالكاد يستطيع تحريك أطرافه، العليا والسّفلى، لم يتجاوز العشرين، يبيع «أوراق اليانصيب»، يكسب منْ بيع كلّ ورقة، ما لا يزيد على العشرين ليرة، كما صرّح لأحد الزّبائن.. العمل، ليس سُبّةً ولا عيْباً، لكنّ العيب، أنْ يتوكّأ المتقاعسُ على مالِ غيره، وأنْ يعمل على كسب رزقه ورزق عياله باتّباع أساليب النّصب والاحتيال وألعاب الخِفّة، وأكل حقوق الناس بالباطل، وهي بأيامنا الرّاهنة – التي خرّبتها «عولمة الغرب» – متعدّدة الرّؤوس، مُسنّنة الأظفار، أقولها بأسفٍ بالغٍ، لأنّها أضحت عناوين باصِمة لشريحةٍ من أرْباب السّقوط، وغِيْلان المجتمع، ومُحْدَثِي النِّعْمَة، على قلّتهم، أو كثرتهم، الأمرُ سيّان!!
صورة ثانية:
بمدينةٍ ما، ثمّة أماكن وردهات، توالدَت أكثر من توالد الفطريّات، أعني: «تزايد عدد المقاهي» بصورة مُرْعِبة، تبعث على الخذلان والتأسِّي والعجب.. بزمنٍ مضى، كنّا نقع بالمدينة على أربع أو خمس أو ستّ مقاهٍ، مبثوثة بعددٍ من الأحياء، أمّا اليوم، ونحن نلِجُ القرن الحادي والعشرين، قد خنقتنا روائح (الدّخان المُعَسَّل)، بخلطاته الضّارّة المتنوّعة، وتفاحاته الثلاث أو الأربع أو.. وهناك أنواع متعدّدة، يعرفها أصحاب المقاهي، وأرْباب محلات بيع الدّخاخِين، التي انتشرت في البلد – بأسفٍ – كانتشارِ النّار في الهشيم، بل صارت «أكثر من الهمّ على القلب»، فماذا نحنُ صانِعون، والخطر، أنّ المقاهي تستقطبُ أيضاً فئاتٍ عمريّةً صغيرة؟!
صورة ثالثة:
بالطريق، يمرّ بك، أو تمرّ به، تراه بكامل عافيته، يقف أمامك كجبلٍ، مادّاً يده بورقة «مُجَعْلَكَة» غير مكويّة، هي: «وصفة طبيّة»، يقول بصوتٍ أجَشّ، يمزّق طبلة الأذن: (منْ مالِ الله، لابنتي المريضة، هي تعاني مرضَ السلّ، «أو السرطان»).. يخجل الكثيرون من إلحاحِه الدّبِق، بعضهم يتصدّق عليه، وكثرة كاثرة تتجاهله، وتتجاهل هذا الأسلوب القبيح بالشّحاذة، ومدّ اليد، وإراقة ماء الوجه، أعطاه النّاس، أو مَنَعُوه..
صورة رابعة:
يرى عدد من السائقين إشارة المرور «ممنوع الدخول»، ومع ذلك يُخالِفون، يدخلون الشّارع بالعكس ، حتى إذا دخل سائق نظاميّ بسيارته، اعترضه المُخالِف، طالباً منه الرّجوع كيما يمرّ، فإذا تلكّأ السائق النظاميّ، ولم يرجع القَهقَرى، فالويل والثّبور، وعاقبة الأمور.. يبلعُ «النظاميّ» غيظه، يرجع بسيّارته، لِيمرّر «المُخالِف»، من دون أنْ يرفع الأخير يده، حتّى بتلويحة اعتذار، ليس من السّائق المحترم، لكنْ من «قانون السّير الجديد»، وتعليماته النّاظمة، التي لا يُطبَّقُ للأسف كثيرٌ منْ بنودها وموادّها.. بسبب التّراخِي بتطبيق القانون، وهو قانونٌ مُحترَم، وساري المفعول بكثيرٍ من دول العالم..
صورة خامسة:
آلمني تحوّلُ مكتبة ضخمة، بين عشيّةٍ وضحاها، لِمحلٍّ، لبيع «الماكياجات وأدوات الزّينة والعطور والبودرة وباروكات الشعر النسائي»، وما شابَه.. أليس هذا مؤشّراً على أنّنا نسير بالاتّجاه الخطأ؟ أليست الكتب منارة العقول والقلوب؟ ألم تتحوّل مفرزات «السوشال ميديا» محلّ الكتاب، الذي كان فيما مضى خيرَ جليس، وأفضلَ أنيس؟ بربّكم ألا تنحرف بنا البوصلة، تدفعنا دفعاً للانحدار والضَّياع؟ كان الكتاب الورقيّ، الصديق الأوفى، الذي يمسح عن شغاف قلبك، ما ألمَّ به من غباشة، ومسحة ألم.. تغوصُ بين الأسطر، كَمَنْ يبحث عن اللؤلؤ المكنون، حينها تنسى ما أحاطَ بروحك الرّهيفة منْ وجعٍ وضَنَى، فتعيش الصَّحوَ والمتعة والانتشاء بآن..
صورة سادسة.. أخيرة:
لن أتحدّث عنْ فراغات العطلة الصيفية، وقد صارت على بعد مَرْمَى حجر، إذْ يتساءل كثيرٌ من الآباء والأمهات: (كيف سيقضي أبناؤنا وبناتُنا العطلة الصيفية)؟ أبالعمل؟ أبالمطالعة؟ أبالاستجمام؟ وأنا بِدَوْرِي، أتساءلُ معهم!!صورة أولى:
في بدءٍ، لستُ الوحيدَ الذي كنتُ أراه بالشارع العام، حيث الازدحام بأعلى منسوبٍ له.. كلّنا نراه، يتحرّك وسط السيارات، تقع قلوبنا عليه: شاب مُعوَّق، بالكاد يستطيع تحريك أطرافه، العليا والسّفلى، لم يتجاوز العشرين، يبيع «أوراق اليانصيب»، يكسب منْ بيع كلّ ورقة، ما لا يزيد على العشرين ليرة، كما صرّح لأحد الزّبائن.. العمل، ليس سُبّةً ولا عيْباً، لكنّ العيب، أنْ يتوكّأ المتقاعسُ على مالِ غيره، وأنْ يعمل على كسب رزقه ورزق عياله باتّباع أساليب النّصب والاحتيال وألعاب الخِفّة، وأكل حقوق الناس بالباطل، وهي بأيامنا الرّاهنة – التي خرّبتها «عولمة الغرب» – متعدّدة الرّؤوس، مُسنّنة الأظفار، أقولها بأسفٍ بالغٍ، لأنّها أضحت عناوين باصِمة لشريحةٍ من أرْباب السّقوط، وغِيْلان المجتمع، ومُحْدَثِي النِّعْمَة، على قلّتهم، أو كثرتهم، الأمرُ سيّان!!
صورة ثانية:
بمدينةٍ ما، ثمّة أماكن وردهات، توالدَت أكثر من توالد الفطريّات، أعني: «تزايد عدد المقاهي» بصورة مُرْعِبة، تبعث على الخذلان والتأسِّي والعجب.. بزمنٍ مضى، كنّا نقع بالمدينة على أربع أو خمس أو ستّ مقاهٍ، مبثوثة بعددٍ من الأحياء، أمّا اليوم، ونحن نلِجُ القرن الحادي والعشرين، قد خنقتنا روائح (الدّخان المُعَسَّل)، بخلطاته الضّارّة المتنوّعة، وتفاحاته الثلاث أو الأربع أو.. وهناك أنواع متعدّدة، يعرفها أصحاب المقاهي، وأرْباب محلات بيع الدّخاخِين، التي انتشرت في البلد – بأسفٍ – كانتشارِ النّار في الهشيم، بل صارت «أكثر من الهمّ على القلب»، فماذا نحنُ صانِعون، والخطر، أنّ المقاهي تستقطبُ أيضاً فئاتٍ عمريّةً صغيرة؟!
صورة ثالثة:
بالطريق، يمرّ بك، أو تمرّ به، تراه بكامل عافيته، يقف أمامك كجبلٍ، مادّاً يده بورقة «مُجَعْلَكَة» غير مكويّة، هي: «وصفة طبيّة»، يقول بصوتٍ أجَشّ، يمزّق طبلة الأذن: (منْ مالِ الله، لابنتي المريضة، هي تعاني مرضَ السلّ، «أو السرطان»).. يخجل الكثيرون من إلحاحِه الدّبِق، بعضهم يتصدّق عليه، وكثرة كاثرة تتجاهله، وتتجاهل هذا الأسلوب القبيح بالشّحاذة، ومدّ اليد، وإراقة ماء الوجه، أعطاه النّاس، أو مَنَعُوه..
صورة رابعة:
يرى عدد من السائقين إشارة المرور «ممنوع الدخول»، ومع ذلك يُخالِفون، يدخلون الشّارع بالعكس ، حتى إذا دخل سائق نظاميّ بسيارته، اعترضه المُخالِف، طالباً منه الرّجوع كيما يمرّ، فإذا تلكّأ السائق النظاميّ، ولم يرجع القَهقَرى، فالويل والثّبور، وعاقبة الأمور.. يبلعُ «النظاميّ» غيظه، يرجع بسيّارته، لِيمرّر «المُخالِف»، من دون أنْ يرفع الأخير يده، حتّى بتلويحة اعتذار، ليس من السّائق المحترم، لكنْ من «قانون السّير الجديد»، وتعليماته النّاظمة، التي لا يُطبَّقُ للأسف كثيرٌ منْ بنودها وموادّها.. بسبب التّراخِي بتطبيق القانون، وهو قانونٌ مُحترَم، وساري المفعول بكثيرٍ من دول العالم..
صورة خامسة:
آلمني تحوّلُ مكتبة ضخمة، بين عشيّةٍ وضحاها، لِمحلٍّ، لبيع «الماكياجات وأدوات الزّينة والعطور والبودرة وباروكات الشعر النسائي»، وما شابَه.. أليس هذا مؤشّراً على أنّنا نسير بالاتّجاه الخطأ؟ أليست الكتب منارة العقول والقلوب؟ ألم تتحوّل مفرزات «السوشال ميديا» محلّ الكتاب، الذي كان فيما مضى خيرَ جليس، وأفضلَ أنيس؟ بربّكم ألا تنحرف بنا البوصلة، تدفعنا دفعاً للانحدار والضَّياع؟ كان الكتاب الورقيّ، الصديق الأوفى، الذي يمسح عن شغاف قلبك، ما ألمَّ به من غباشة، ومسحة ألم.. تغوصُ بين الأسطر، كَمَنْ يبحث عن اللؤلؤ المكنون، حينها تنسى ما أحاطَ بروحك الرّهيفة منْ وجعٍ وضَنَى، فتعيش الصَّحوَ والمتعة والانتشاء بآن..
صورة سادسة.. أخيرة:
لن أتحدّث عنْ فراغات العطلة الصيفية، وقد صارت على بعد مَرْمَى حجر، إذْ يتساءل كثيرٌ من الآباء والأمهات: (كيف سيقضي أبناؤنا وبناتُنا العطلة الصيفية)؟ أبالعمل؟ أبالمطالعة؟ أبالاستجمام؟ وأنا بِدَوْرِي، أتساءلُ معهم!!
وجيه حسن