إن الحديث عن حراك ثقافة الأمة اليوم وخاصة بعناوينها القطرية تدعو إلى الألم لدرجة التوجع فمما لاشك فيه أن هناك أزمات تعترض خصوصية الأمة الجامعة لكل أبنائها .. فالقطرية هي تصنيع الاستعمار الغربي في تجن على الحضارة العربية وثقافتها .. هذا المفهوم رُسخ عبر تيارات العولمة واستغله النفعيون وأدعياء الثقافة ما أدى لتراجع دور المثقف الحقيقي المتمسك بخصوصية أمته وثوابت مجتمعه النابضة بالقيم الإنسانية .. علما أن القطرية بمفهومها الخاص والعام تعتبر هابطة لدرجة الحضيض الفكري فهي وضع مؤقت ففي ظلها أضحى كل من يفك الحرف وكل من يتفوه ببعض مفردات اللغة الأجنبية يعد مثقفا وهذا ليس لعدم وجود مثقفين مبدعين بل لعدم اهتمام المجتمع بهم وبنشاطهم الفكري فلا شأن لهم في غربلة الغث عن السمين في الحراك الثقافي وهذا ما يوجب علينا جميعا أفرادا ومؤسسات دراسة معمقة للواقع الثقافي وإشكاليات المثقف لتعزيز المعايير التي تجمع أبناء الأمة اجتماعيا وروحيا لإحياء الفضاء الثقافي الجامع من خلال تفعيل الاهتمام بموروث الأمة الحضاري بكل أزمنتها ولاسيما المستقبلية عبر ردم الهوة ورأب الصدع الذي أحدثه الفكر المؤطر مولدا واقعا كئيبا كثر فيه الأدعياء لتظهر فيه بين الحين والآخر نظريات متأرجحة الأهداف ليس لها نتيجة ترتجى سوى إرساء مفاهيم تبعدنا عن الأمور الجوهرية لإبداعاتنا الفكرية.
تجتاحنا اليوم بل تغزونا تيارات متعددة المصادر وتزدحم أحداث متلاطمة الأمواج تمن علينا ببعض فتاتها كي تساعدنا على النسيان والاغتراب عن جماليات فكرنا الإنساني .. ومصدرو هذه التيارات يتجاهلون حقيقة أن للزمن بصمة لها خصوصية مؤثرة في النفوس رغم تسارع أحداث مؤثراته .
لقد آن الأوان كي نزيح عن إرثنا الحضاري غيوم البهتان التي تقصينا عن ركب الحضارات بإصرار لم يعرفه حتى الآن شعب غير العرب .. لقد آن الأوان لمساندة كل جهد يرفع عن كاهل العرب الحيف الذي ألم بهم ليس لعيب فيهم بل لشذوذ أعدائهم وتنكرهم لعطاءات الحضارة العربية والتي اعترفوا ببعضها المتمثلة بمهد الحضارات العالمية – سورية – فمن ترابها نهضت المعرفة ليضيء نورها كل أرجاء العالم .
إن الحالة الثقافية للأمة العربية اليوم معقدة ومركبة فنحن منذ أن بدأنا نحقق استقلالنا وتأسيس دولنا لم ندشن حواراً فكرياً ثقافياً متفاعلاً ومثمراً يزيح الظلمة عن فكرنا وموروثنا الحضاري رغم وجود الاستثناءات التي لا تشكل قاعدة يمكن الارتكاز عليها .. وما ينشر على صفحات جرائدنا ومجلاتنا من حين لآخر هو صدى يحاول أن يزرع الورود على جانبي دروبنا المطلة على فضاءات المستقبل .
بسام عمران
المزيد...