هل ما يجري في العالم اليوم هو حالة من المخاض الذي سينتج واقعاً جديداً، وهل هذا المخاض هو نتيجة القرارات الخاطئة التي اتبعتها السياسة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي قاد العالم إلى مزيد من الفوضى وزاد الطين بلة بين الحلفاء والأصدقاء والأعداء وخاصة بعد فشل الحرب الكونية التي قادتها وتقودها ضد سورية منذ أكثر من ثماني سنوات .. فالقرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي لتضييق الخناق على محور المقاومة لم تكن صائبة حيث اصطدمت بجدار صلب لم يكن يتوقعه وذلك لأن تقديرات إدارته ومستشاريه الذين اختارهم من الصقور أعمتهم الغشاوة التي على أعينهم من قراءة الواقع وما يمكن أن تنتج عنه تلك القرارات التي كان وراءها الكيان الإسرائيلي الذي أدخل الإدارة الأمريكية في الكثير من المآزق والتي لم تستطع أن تخرج منها بسهولة .
فعلى سبيل المثال انسحاب ترامب من الاتفاق النووي كان هدفه إخضاع إيران للضغوط وإحراجها للجلوس على طاولة المفاوضات لفرض شروط جديدة تتنازل من خلالها إيران عن بعض الأمور التي تعتبر خطوطاً حمراء في سياستها الخارجية ولا يمكن المساس بها وخاصة دعم محور المقاومة وعدم تهديد الكيان الإسرائيلي وعدم استعمال الأسلحة والصواريخ المتطورة ضد الكيان الإسرائيلي والتخلي عن دعم حزب الله،وقد أدركت إيران نوايا الإدارة الأمريكية فلم تقدم أية تنازلات ولم تستجب للدعوات التي تطالبها بالجلوس على طاولة المفاوضات الأمر الذي جعل الرئيس الأمريكي يرعد ويزبد تارة ويزيد في العقوبات المفروضة على إيران تارة أخرى مع دعوة قادتها للجلوس للتفاوض وبدون أية شروط بعد أن كان يضع شروطاً اصطدمت بالرد الإيراني الواضح الذي كان يرفض التفاوض مع ترامب لأن ليس هناك أية ثقة بالرئيس الأمريكي وبإدارته ..
لقد أحدثت قرارات ترامب شرخاً واضحاً مع حلفائه الأوروبيين الذين حاولوا أن يمسكوا العصا من المنتصف فإذا تم تطبيق العقوبات بحذافيرها على إيران فسوف تخسر الشركات الأوروبية مليارات الدولارات ولذلك لم تستطع الدول الأوروبية أن تأخذ قراراً واضحاً تجاه إيران وبدت مترددة فالأوربيون يريدون الخروج من تحت العباءة الأمريكية لأنها أصبحت تشكل عبئاً عليها وعلى اقتصادها ماعدا الكيان الإسرائيلي الذي لديه أسباب عديدة لتأييد الولايات المتحدة بما فيها المساعدات التي تأتيه . فالمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل أدركت أن المصالح الوطنية هي التي يجب أن تسود أمام املاءات واشنطن كما أعلنت بريطانيا وفرنسا وألمانيا أن أداة دعم التبادل التجاري انستيكس أصبحت جاهزة وهي آلية تسمح للشركات في أوربا بالقيام بأعمال تجارية مع دول مثل إيران وذلك لتجنب العقوبات الأمريكية عن طريق التجارة خارج نظام سويفت القائم على الدولار والذي تسيطر عليه بجكم الواقع وزارة الخزانة الأمريكية .
وقد أوضح مقال نشره موقع رون بول انستيتيوت الأمريكي أنه في اجتماع مجموعة العشرين الذي اختتم مؤخراً في اليابان أن هذه الآلية قد اكتسبت الدعم بعد أن انسحبت إدارة ترامب من الاتفاق النووي منذ أكثر من عام وهذا يعني المزيد من التخبط في الإدارة الأمريكية التي ستخسر كثيراً فيما إذا اعتمدت لأنها تعني تراجع التداول بالدولار الأمريكي ولن يكون عملة مركزية في الاقتصاد العالمي وستظهر نتائجه في العالم حيث تتراجع قيمة الدولار وستتوقف وزارة الخزانة الأمريكية عن طباعة المزيد من الدولارات وهذا يعني أيضا إعاقة قدرة الولايات المتحدة عن فرض الهيمنة العالمية على بطاقات الائتمان وهو بالتأكيد سيكون هزيمة مدوية يتوقع حدوثها بعد سحب البساط من تحت الإدارة الأمريكية وتراجع دورها في العالم وهذا بالطبع نتيجة السياسات الرعناء والقرارات المتسرعة التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي قال عنه السفير البريطاني في واشنطن أنه غير كفؤ وغير نزيه وليس أميناً ويمكن وصفه بأنه مختل وستكون نهايته العار والخزي لا محال وأضاف أن الرئيس الأمريكي يمارس حالياً سياسات اقتصادية يمكن أن تدمر نظام التجارة العالمي بأكمله .
المؤشرات كلها تشي بالنتائج العكسية لسياسات دونالد ترامب في العالم والتي كان يريد منها زيادة قبضته وهيمنته على العالم لكنها في الواقع أكدت فشله الذريع وخروج الأمور من يديه حيث سيحصد الهزيمة التي تعني سقوطه المريع بعد سلسلة الهزائم التي تلقاها وخاصة في حربه الكونية التي قادها ضد سورية وهي بالتأكيد ستكون القشة التي لن يتحمل أثرها على المدى البعيد ، وهزيمته القادمة أمام إيران لن تكون خاتمة الهزائم فلا أحد يعلم ما تخبئه له الأقدار في القادم من الأيام ؟؟؟.
عبد الحكيم مرزوق