تحية الصباح.. إنّكم مسؤولون

اتّصل بي أحد معارفي القُدامى، وهو قليلا مايفعل، وهكذا صار بإمكان أيّ كان أن يتصل من مسافات بعيدة، وبذلك حُرمنا نعمة أن تقع العين على العين، ماعلينا..، قال لي : أتابع بعض ماتكتب ، ألا ترى أنّك في بعض كتاباتك قد ضربت بعيداً في مساحات دينيّة، أنت العلماني، الوحدوي، التقدّمي الديموقراطي ؟!!
قلت:ياصاحبي، أنا أذهب إلى بعض مساحات التاريخ، وأنّنا كما دفعنا الغالي من الأثمان من أجل تحرير الأرض، فلا بدّ من أثمان موازية لتحرير ( الإسلام) ممّا أُلحِق به من اجتهادات، وآراء بشريّة،خُلعتْ عليها قداسات هي ليست لها.
اسمع ياصديقي لعلّه من جميل المصادفات أنّني قبل اتّصالك بقليل كنتُ أقرأ في أحد كتب التراث، ومرّ معي مايلي، وهنا ألفت نظرك إلى أنّ الخليفة حين كان ينصَّب، أو يُبايع، كان يقف في المسجد ويُلقي خطبة تشكّل مانسمّيه اليوم برنامج عمله في المرحلة القادمة، .. يقول الخبر:
« لمّا بُويع الإمام عليّ كرّم الله وجهه بالخلافة، وقف خطيبا، فقال بعد ما حمد الله وأثنى عليه:( إنّ الله أنزل كتابا هادياً، بيّن فيه الخير والشرّ، فخذوا بالخير، ودَعوا الشرّ،أدّوا الفرائض إلى الله سبحانه يؤدّكم إلى الجنّة، وإنّ الله حرّم حُرَما غير مجهولة، وفضّل حُرمة المسلم على الحُرُم كلّها.. لايحلّ أذى المسلم إلاّ بما يجب، إتّقوا الله في عباده وبلاده، فإنّكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم، واذكروا إذْ أنتمْ قليلٌ مُسْتَضَعفونَ في الأرض»..
قاطعني قال: هاأنت تنقل تفضيل حُرمة المسلم على الحُرم كلّها.
قلت: هنا لابدّ من التوقّف عند معنى المسلم ياصاحبي،فليس المسلم مَن نطق بالشهادتين فقط، هذا مسلم، وحين ينطق بالشهادتين يكون قد حرم دمه، وماله، وعرضه، أمّا الوجه الآخر لهذه فهو ماورد من أنّ المسلم مَن سلم النّاس من يده ولسانه، أي أنّ مَن يغتاب النّاس، ومَن يؤذيهم بأفعاله، لم يحقّق شروط الإسلام، التي جُمعت في جملة الرسول صلوات الله عليه وآله: «إنّما بُعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق»، وعلى مثل هذا يمكن أن يُقاس في الرؤية التي أراها، ألفتُ نظرك ياصاحبي إلى ماجاء في الخطبة،» أتّقوا الله في عباده وبلاده»، قال في ( عباده)، يعني كلّ عباده، ولم يقل (المسلمين ) فقط، وتابع فقال : فإنّكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم ، أترى إلى هذه الأمانة المُناطة برقبة من يتقدّم لإدارة الشأن العام؟!! إنّها تشمل حتى (البقاع)، فلا يجوز إهمالها، أو الإعراض عن إصلاحها ففيها معايش للناس، ولم ينس حقّ البهائم التي سخّرها الله لبني البشر، فانظرْ إلى هذا السبْق في المبدأ، والزمن، وللاهتمام بالبيئة ككلّ…
قاطعني:. هذا أنت تدير الكلام، كما تدير عينيك، وضحك ضحكة خفيفة، وقال : سلام.
عبد الكريم النّاعم

المزيد...
آخر الأخبار