قصة…رسالة قبل الانتحار…

(اسمي «هناء»، لم أهنأ ساعة بِدنيايَ، كباقي خلق الله من عباده.. كرّستُ جهدي للدراسة، لم يشغلني عنها أيُّ شيء، حتى وصلت الإعدادية، حزْت الشّهادة فيها بتفوّق.. كنت أحلم بالمستقبل، وسنواته الزّاهرات، لكنّ شيئاً باهظاً، ظلّ يقف بطريقي كسدٍّ منيع، عكّر عليّ فرحي بالنّجاح، والوصول للثانوية.. ما سوّد أيامي، وهناءة روحي، أنني أضحيتُ حبيسة سجنٍ بيتيٍّ، هو «سجن الرَّذيلة»، الذي كانت أمّي – للأسف الشديد – عَرّابته، وسيّدته المُطاعَة .. أمّي «بائعة هوى» يا ناس، قد جعلت منْ منزلنا المتواضع، بؤرةَ للفساد، مرْتعاً للرّاغبات في السقوط الأخلاقي، بغياب والدي لسنوات، ببلدٍ بعيد، حيث يعمل لجمع المال وتَهْرِيمِه، بإحدى دول النفط، وقد وصلَنا نبأ مؤكّد، أنّه تزوّج هناك بامرأةٍ هنديّة! طبيعة منزلنا، أضحت لا تُطاق: بغايا بكلّ السّحنات، يدخلْن يخرجْن، رجال غرباء يدخلون يخرجون، وعلى القارىء اللمّاح، أنْ تقدير حجم المأساة الواقعة كصخرة على قلبي.. مأساة بطعم الحنظل، أنْ يعيش المرء طيَّ صراعٍ نفسيٍّ، بالغِ الحِدّة والوجع! حين أدخل منزلنا، تضيق روحي، تختنق أنفاسي، تهبّ عليّ عواصفُ رَعديّة مقيتة، بسبب الجوّ الموْبوء، الذي أعيش جحيمَه، أرفضُه.. أمّي وخليلاتها، وخلّانهنّ، يريدونني أنْ أسكتَ عنْ جرائمَ لا أخلاقيّة تُرتكَب بمنزلنا، بإمضاء منْ والدتي الخائبة، أهو انتقامٌ منْ والدي العريس؟! كنت أحسّ، أنه غير مسموح أن أعيش حياتي الشّخصية، كما أشتهي.. أمّي قتلت بداخلي كلَّ رجاء وفرح، كنتُ كلّما أشَعْلتُ أملاً، أطفأتْه أمّي..
أخي الصّغير «بكري»، تلميذ الرّابع الابتدائي، لاهٍ مع لِداتِه وأصحابِه، ضعيفٌ جدّاً بدراسته، حتى إذا اضمحلّت الشّمس، دخل المنزل، ثم ما يلبث أنْ يخرج ليلاً، لملاقاة أصدقاء جدد، من دون أنْ تسأله أمّي عنْ دواعِي ذلك، وإذا تجرّأتُ وسألتُه، فالويل والثّبور، وعظائم الأمور، أمّي تريد الجوّ خالياً منه ومنّي تماماً!! لم أعد أطيق العيش بهذا المناخ، الذي تَتفشّى بِجنباته غطرسة السّقوط! تهشّم الفرح بداخلي.. بِلحظة طيش، أو لحظة صحو، لا أدري، مزّقتُ كتبي، دفاتري، رميتُ أقلامي بحاويةِ القمامة انتقاماً، قلت في سِرّي بوجعٍ طاغٍ: «العلم لم يعُد مهنتِي، لم يعُد فرحِي»، جوّ الدراسة، ليس مُتاحَاً البتّة، مع أنّني كنت راغبة في متابعة تحصيلي العلمي، لأصبح «طبيبة أطفال»، هذا كان حلمي منذ نعومة أظفارِي.. لكن يا لوجع روحي، يا لسوء طالعي.. من يومها لجأت إلى صديقتيّ الأنِيسَتَين: «رئيفة، وسلوى»، اللتين وجدتُ فيهما البلسَمَ الذي يطبّب جروح نفسي، واعتمالات قلبي، من الوضع البائس الذي أوجدتْه أمّي، لي ولأخي.. كنّا نحن الصديقات، نذهب برحلات ترفيه، إلى النّوادي، المقاهي، السّينما، أهرب من جوّ بيتنا، الذي لم يَعُدْ يُطاق.. كنت دائماً أبكي، من الحال المُتردِّية، التي أوصلَنا إليها أبي وأمّي معاً.. بيومٍ قَمْطرِير، داكن الغيوم، أخذتُ قراري بهجران البيت، واللجوء لبيت عمّي الوحيد «سعفان»، لكنّهم لفظونِي، حَمَّضُوا وجوههم بوجهي، عَيّرُونِي بأمِّي الفاجِرة، طالبين منّي عدم التردّد عليهم البتة.. لم أجد أمامي منْ سبيل سوى اللجوء لقريبتي الجامعيّة الغالية «إلهام»، التي تكبرني بأربع سنوات، علّها تجد لي حلّاً.. كانت تُطيّب خاطري بكلامٍ كالدّواء الشّافي، كنتُ أصبّرُ نفسي، أمضغُ لُبانَ موَاجِعي، لكنْ إلَامَ! يوماً دَهَمَنِي تفكيرٌ مثل نارٍ متلظّية، لأتمكّن من نَهْشِ أمّي وخليلاتها وخلّانهنّ معاً.. كتبت رسائل شتّى لأبي، اتصلت به على «الموبايل» مرّاتٍ، لكنْ كَمَنْ يحرثُ البحر.. بعد غيابٍ، عدتُ للمنزل، طرقْتُ الباب، خرجَت امرأة مُكتنِزة ، سدّت عليّ المدخل، طالبْتُها أنْ تُفسح لي طريقا للعبور لبيت أهلي، تمنّعَتْ، نَهَرَتْني، شتمتْني، دفعتُها بكلِّ قوّتي، دخلتُ، جاءت أمّي، وبّخَتْنِي على فِعْلتي، انهالت عليّ بالضّرب المُبرِّح، وقتها أُغْمِيَ عليّ.. حين عدتُ للصّحو، كتبتُ ما تقرؤون.. أخيراً انهزمتُ، قرّرتُ الانتحار، كَحلٍّ نهائيّ لمواجع روحي.. أنا الآن أسكبُ البنزين على جسدي، إنّي أحترق، انظروا النّار التي تنهشني، لتصل وجهي وشعري، أمّي هناك، تجلس ، مع لِداتِها وصويحباتها، و الزّبائن.. أبي هناك بِمغتربه البعيد، مع عروسه الهنديّة «مالاشا»، لا يزال يضاعف السّنين، يراكمُ الرّيالات، كي ِيَبْنِيَ بيتاً لعائلته، منْ غُثاء وخَوَاء وعُوَاء وعَرَاء)؟!
* * *
انتحرَتْ «هناء»، ناسِية أو مُتَنَاسِية، أنّها بيومٍ من الأيام، سطّرت بدفتر مذكّراتها، هذه الكلمات المُعبِّرة: «الانتحار ما هو إلا حَل وَهْميّ للمشاكل، التي تحدث بأيّة أسرةٍ فاسِدة، وبأيّ مجتمعٍ فاسِد»…
وجيه حسن

المزيد...
آخر الأخبار
في ختام ورشة “واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة”.. الجلالي: الحكومة تسعى لتنظيم هذه... سورية: النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الج... فرز الخريجين الأوائل من المعاهد التقانية إلى عدد من الجهات العامة أفكار وطروحات متعددة حول تعديل قانون الشركات في جلسة حوارية بغرفة تجارة حمص بسبب الأحوال الجوية… إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه الملاحة البحرية مديرية الآثار والمتاحف تنفي ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام حول اكتشاف أبجدية جديدة في تل أم المرا ب... رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من القطاعات القبض على مروج مخـدرات بحمص ومصادرة أكثر من 11 كغ من الحشيش و 10740 حبة مخـدرة "محامو الدولة "حماة المال العام يطالبون بالمساواة شراء  الألبسة والأحذية الشتوية عبء إضافي على المواطنين... 400ألف ليرة وأكثر  سعر الجاكيت وأسواق الب...