الفلّـــة السَّمـــراء

كانت في طريقها إلى مقهى جوري، تقود سيارتَها بمنتهى الهدوء…وبينَ الحين والآخر تردُّ على رسائلِ الهاتف النقَّال بينما تستمتع بأغنياتها المفضَّلة.
تذكَّرتْ» كم كنتُ مخطئةً لأنني تأخرتُ في إنشاءِ صفحتي على الفيس بوك» وقالت لنفسها» كم هو لعينٌ ذلك الذي أنشأ موقع الفيس بوك!»
تُمضي وقتَها مع شاشة الموبايل تقلِّب الإشعاراتِ، قبلَ يومين صار لديها خمسةُ آلافِ صديقٍ وصديقة ولكنها حظرت أحدَ الأصدقاءِ ليتسنى لها إضافةُ رامي إلى أصدقائها بعدَ أنْ التقطً الطُّعمَ حينَ أرسلتْ طلبَ صداقةٍ لأحدِ أصدقائهِ وخلالَ ثوانٍ جاءَتْها الموافقةُ ويعدَ دقائقَ عدَّة جاءها طلبُ صداقةٍ من رامي الذي تتجهُ الآنَ بسيَّارتِها للقائهِ، بعدَ يومين من ذلك اللقاءِ على الفيس بوك …حين انفتح أمامها مربَّع الدردشةِ وقرأتْ: « صورتُكِ ساحرةٌ…بالتأكيدِ أنتِ أجملُ من الصورة …مسا الفلّ يا فلّة الفيس»
حرّكَ كلامُه شيئاً في روحها وعادتْ لتقرأَ: « عيناكِ الصغيرتانِ الناعستانِ تغرياني بالتأمُّلِ لأكتشفَ سِرَّهما النفيس»
كتبتْ: « شكراً…هل أنتَ شاعرٌ «
جاءها الرَّدُ:» لابدَّ أن أكونَ شاعراً لأكتشفَ سِرَّ عينيكِ العميقِ، المهم ألا تتأخري بإعطائي موعد»
« بالتأكيد سنلتقي ولكن أينَ تُفضِّل؟»
« حدِّدي المكانَ والزمانَ وأنا جاهزٌ»
« مقهى جوري، العاشرة ليلاً»
« رائع، المقهى جوري وأنتِ فلَّة وليلاً حتى أتمتعَ بجمال شعرِكِ الأسودِ المجعَّدِ كسوادِ الليلِ المتماوج مع همساتِ الحبِّ وارتجافاتِ القلب»
« ألستَ مستعجلاً بالكلام عن الحبِّ؟»
« لماذا مستعجلٌ؟! أنا أعرفُكِ منذُ ساعتينِ، كم تريدينَ من الوقتِ حتى أحبَّكِ…سنتين أم شهرين؟!!»
« هل تسخر؟»
« لا ، أبداً، لكني أعتبرُ الحبَّ نعمةً من الله يهديها لنا ذاتَ لحظةٍ حين نلتقي نِصفَنا الآخَرَ دون حساب لزمانٍ أو مكان»
« هكذا إذاً…أنتَ لم تجدْ نصفكَ الآخرَ بعدْ»
« بالمعنى الرَّسمي وجدتهُ ولا أُخفيكِ سرَّاً فأنا متزوجٌ من امرأةٍ شقراءَ الشعرِ، بيضاءَ البشرةِ ، زرقاءَ العينين، عيناها ليس فيهما معنى للحياة وشعرُها صارً مملاً أما بياض بشرتها فأصبحَ يذكرني ببياضِ الكفنِ، اتركينا منها وقولي أنتِ هل وجدتِ نصفكِ الآخرَ؟»
« أجلْ لكنَّه تزوج من امرأةٍ أخرى وتركني مع أطفالي الخمسَة»
« هل طلَّقكِ؟!»
« لا»
« ولماذا تزوَّج؟»
« أنا طلبتُ منه ذلك»
« والسبب؟!!»
« زوجي لا يختلي بأنثى لثوانٍ إلا ويغمرها بشلالٍ من الغزلِ الثقيلِ العيارِ يصل لدرجةِ وصفها بأميرةِ الأميراتِ وأميرةِ الجمال»
« وماذا بعد؟»
« سأحكي لك بالتفصيل الممل»
« هيا وأنا كُلِّي اهتمام»
« تحمَّلتُ كثيراً علاقاتِهِ المتنوعةَ ولكن حدثَ أنَّ أكثرَ من واحدة من جاراتي قالتْ لي سِرَّاً أنها ستقطع علاقةَ صداقتِنا لأنها لم تعدْ تتحملُ حركاتِ وتلميحاتِ وغزلياتِ زوجي حين تزورني وأتركهم ولو لدقيقة أوحين يلتقيها فجأةً على باب البناء أو على باب البيِتِ»
« وماذا فعلتِ؟»
« طلبتُ من زوجي أن يبيعَ البيتَ وفعلاً تمَّ الأمرُ وانتقلنا إلى بيتٍ جديدٍ في حيِّ بعيدٍ عن بيتنا القديمِ وانقطعت صلتي بجاراتي القدامى وأحذتُ ألتزم العلاقة الرسميةَ جداً مع جاراتي الجدد»
« وبعدْ؟»
« طلبتُ من زوجي عدمَ مقاربتي فأنا لم أعدْ أتحملُ علاقاتِهِ فأجابني أنه مجبرٌ على ذلكَ لأنني لمْ أعدْ أعجبه وهو مُفعَمٌ بالحيويةِ»
« وما كان ردُّكِ؟»
« أجبتهُ سريعاً اذهب وتَزوَّجْ ولكن قبلَ ذلك طلِّقني لأتمكنَ من الزواجِ من غيرِكَ فأنت لم تعد تعجبني منذُ وقتٍ طويلٍ»
«وبعدْ»
« أجابَ :مستحيل، أنا أحبُّكِ، سأتزوجُ وأنتِ ستختارين العروسَ، ولكني لن أطلِّقَكِ»
« وأنتِ؟»
« قلتُ :اذهبْ وعِشْ كما تشاءُ ولكن اعتقني فقط»
« وهل وافق؟»
« بل رفضَ وأقسمَ بكل الكتب السماوية أنَّه لا يمكنه العيشَ بدوني»
« وأنتِ؟»
« التزمتُ الصَّمتَ لأنني أحبُّهُ»
« ولماذا تريدينَ صداقتي إذاً؟!!!»
« أريدُ منك ما يريده من غيري …. كما يجد هو متعتَهُ مع غيري ولكن يبقى الحبُّ الروحيُّ له وحدَهُ»
« وأنا موافقٌ فأنا أحببتكِ وأريدُ مقاربَتَكِ كما يحلو لكِ وكفى»
« إذاً، نلتقي بعدَ يومينِ فقط أكونُ قد رتبتُ أموري لهذا اللقاءِ ، سأرتدي لكَ فستاناً أصفرَ اللونِ على موضة هذه الأيامِ»
« وأنا على أحرِّ من الجمرِ لهذا اللقاءِ، وسأرتدي لكِ بزَّةً سوداءَ وأضعُ فلَّةً في جيب السترة»
تَصِلُ بسيارتِها قريباً من المقهى فتركنها وتدخل بهدوءٍ ، تجول بناظريها فتلمحُه من بعيدٍ بالبزَّةِ السوداءِ ذاتِ الفلَّةِ . تقتربُ منه وتضعُ يدها على كتفِهِ قائلةً:
«هل وصلَتْكَ رسالتي؟»
فقال مذهولاً:» وصلَتني وبقوّةٍ ولكنْ أنَّى لكِ بِلَقَبي على الفيس بوك؟!!!»
-» ولَو…أنا زوجتُكَ وأمُّ أولادِكَ…هل يصعُبُ عليَّ هذا الأمرُ وأنا خزينةُ أسرارِكَ؟!!!»
ضمَّها بذراعيه قائلاً:
« لا، لا يصعُبُ عليكِ وأنتِ بهذا الذَّكاءِ. سامحيني وسيكونُ لكِ ما تشائينَ».
إبتسام نصر الصالح

المزيد...
آخر الأخبار