غربة الشاعر نضال السلومي أشعلت حنينه لحمص .. والحرب أوقدت حزنه

عرفنا الشاعر نضال السلومي من خلال مجموعته الشعرية المعنونة بـ « تنهُّداتُ عندليب»وقبلها عرفناه شاعراً مواظباً على المشاركة في نشاط المركز الثقافي صيفاً ،وهو ابن حمص البار ولد فيها عام 1966، درس فيها وتخرج في جامعة البعث قسم اللغةِ الإنكليزيةِ عام 1989، درَّسَ في مدارسِ دمشقَ إلى عام 1995 حيثُ اضطر للهجرة والعمل بسبب ظروف الحياة القاسية .
بدأ في مرحلةٍ مبكِّرةٍ من حياتِهِ بنظمِ مقاطِعَ ظَنَّها منَ الشِّعْرِ ، نظمها على منوالِ قصائدَ معروفَةٍ ، إلى أن تمرَّسَ بالعروضِ والبحورِ الخليليةِ ، فبدأ بنَظْمِ مقاطِعَ شعريةٍ تُعبِّرُ عن هواجِسِهِ ، وتروي ظمأهُ ، وتلبي حاجتَهُ ، ثم طبعها في ديوانٍ تحتَ عنوان تنهُّداتُ عندليب صدرَ عام 2018 .
الحنين لأم الحجار السود
الديوان في معظمهِ يدورُ حول حنينِهِ إلى حمصَ وحجارِتها السودِ وعاصيهَا ، وإلى معشوقتِهِ دمشقَ بجامعتِها وجامعِها العتيقِ وحميديتها وقاسيونِها وغوطتيها ، وفي حزنِهِ العميقِ على رحيلِ والديْهِ دونَ أن يتمكنَ من المشاركةِ في مراسِمِ دفنِهِما .
الشاعرُ في غربَتِهِ يعاني الحزنَ والفِراقَ والمواجعَ والهمومَ بعيداً عن الأهلِ والأحبةِ فيطلقُ أنينَهُ في ليالي وحدتِهِ و كادَ القلبُ أن ينفطَرَ حُزْناً وألَمَاً فيقولُ :
تُرْخي الهُمومُ على القلوب مواجِعَا في مَوْجِهَا تتلاطَمُ الأسرارُ
أسَفِي على عُمْري مَضَى في غُربَةٍ قلبٌ يذوبُ وقَسْوةٌ وفِرارُ
للغربة طعم العلقم
وفي مكانٍ آخرَ من مجموعته تلك نجدهُ يطارِدُ السَّرابَ ولا يحصدُ إلاَّ الهمومَ ، وقد طالَ سُهْدُ لياليه ، وكم تمنَّى لو أنَّهُ لم يبتعدْ عن مرابِعِ الرغَدِ فيقولُ :
ضاعَ عُمري في متاهاتِ اغترابٍ أحصدُ الأحلامَ في عِزٍّ ومالِ
ليتَ أنِّي لم أكنْ يومَاً بعيداً عنْ ربوعٍ أسبِغَتْ روحَ الجمالِ
وفي غربَةٍ إجبَاريَّةٍ استمرتْ لستِ سنواتٍ لم تكتحلْ عيناهُ خلالها برؤيَةِ الوطَنِ والأهلِ والأحبَّةِ ، بينما كانتْ تردُ إلى بريدِ الذَّاكِرةِ رسائلُ شؤمٍ ، جعلتِ القلبَ يتصدَّعُ لهولِ ما يسمَعُ عنْ خرابٍ وموتٍ ودمارٍ وفُرْقَةٍ ، فالحزْنُ مُقيمٌ ، والدَّمُ يجري ، والأحزانُ ترافِقُ الأحلامَ وقدْ كَبَّلَ القيدُ القلوبَ ، وحُمِّلَ القومُ ما لا يُطاقُ فيقولُ :
لمَاذا يُثْخِنُ الجرْحَ الفراقُ على جُرْفيْهِ من دَمِنَا يُرَاقُ
تُكبِّلُ عمرَنَا آهاتُ قيْدٍ ونَحْمِلُ في النَّوى مَا لا يُطاقُ
وفي الغُرْبَةِ تُعَمِّرُ الأحزانُ في قلبِ الشَّاعِرِ عنْدَما يرحَلُ والدهُ عن دُنيانا محمَلاً بالحزْنِ والأسى لما لَحِقَ البِلادَ منْ خَرابٍ ، وتزدادُ لوعته عندمَا تلبي والدتُهُ نداءَ ربِّها فتلحقُ برفيقِ عمرِهَا ، فاصبحَ الشاعرُ لطيماً وقد اختفى الحضنُ الدافِئُ ، يقولُ الشَّاعِرُ :
رَحَلَ الضِّيَاءُ عنِ الليالي المُقْمِرَهْ وتغلْغَلَتْ ظُلَمُ الحياةِ المُضْجِرَهْ
غابَتْ شُموسٌ عن سَمَاءِ حَياتِنَا رصَفَتْ لنا درْبَ الحياةِ لِنَعْبُرَهْ
وفي مكانٍ آخر نجدُ الشَّاعِرَ يكتوي بِنارِ الغربةِ التي منعَتْهُ من الحضورِ فيعتذِرُ لأمِّهِ ويسْتذْكِرُ عذابَاتِها في الودَاعِ وصَبْرها على النوائبِ ، ويذْرِفُ الدُّموعَ الزكيَّةَ لفَقْدِهَا وكأنَّهُ طِفْلٌ يستَذْكِرُ الفِطَامَ فيجِنُّ جنُونُهُ فيقولُ :
لحِقتْ رفيقَ العُمْرِ بعْدَ عَنائهَا وتعمَّقَتْ مأسَاتُنا المتكرِّرَهْ
ولكمْ تمنَّيْتُ الرُّجوعَ لحُضْنِهَا لِتَضُمَّ رأسي بالحنانِ مدَثِّرَهْ
فكأنِّي ذاكَ الرضِيْعُ بلَوعةٍ جُنَّ الفطامُ عليهِ حينَ تذَكَّرَهْ
ولحمْصَ في قلْبِ الشَّاعرِ مكانَةٌ خاصَّةٌ ، وكيْفَ لا وهي مسقِطُ رأسهِ ، ومرابِعُ لهوهِ وأنينُ نايهِ ، وفي حُمَّى الاغترابِ يحنُّ إلى ملاعبِ الطُّفولَةِ والصِّبا ،وإلى حِجَارِها السُّودِ وعاصيْها وميماسِهَا ، فمَاؤُهَا سلْسَبيْلٌ ، وهواؤُهَا بَلْسَمٌ يُداوي الجراحَ ، وشَجَرُهَا عطْرٌ وظِلٌّ ، ومنْ يقْصِدُهَا لا يتُوهُ عنْهَا فيقُولُ :
يهُبُّ هَواكِ فيشْفِي عَليلا وماؤكِ طُهْرٌ جرى سَلسَبيلا
وما تاهَ قلبي عنِ الدِّيار يوماً وهل مِنْ مُحِبٍّ يضُلُّ السَّبيلا
حنين
وفي قَصيْدَةٍ أخرى ، نرى الشَّاعِرَ يحنُّ إلى حمصَ ، فيتمَنَّى لو أنَّهُ يلثُمُ حِجَارتَهَا ويضُمُّ تُرابَهَا ، ويتَرَنَّمُ بشَدْوِ عاصِيْهَا فيقول :
أحِمْصُ إليكِ يحِنُّ فؤادي فيعزفُ لحْنَاً حزينَاً مِدادي
فكمْ أشْتَهِي أنْ أضُمَّ ثَراكِ وألُثُمَ صَخْرَاً بديعَ السَّوادِ
وإنْ كانتْ حِمْصُ مربَعَ الرغَدِ ، ومهدَ الطُّفولةِ والصِّبَا ، فدمَشْقُ في القلبِ ، لأنَّ اللهَ حَبَاها بالجَمَالِ والسِّحْرِ والقدسِيَّةِ ، وعرَّفَهَا باليَاسَمينِ والنانِرْجِ فيقولُ :
دِمَشْقُ في القَلْبِ مَثْواهَا ولا عجبَا أرْخى الجَمَالُ على أسْوارِهَا الهُدُبَا
دِمَشْقُ يا نَسْمَةً بالغَارِ تسْكُنُنَا ويا نشِيْداً منَ الآهاتِ قدْ سُكِبَا
وفي قصِيدةٍ أخرى يتَغَنَّى الشَّاعرُ بأصَالةِ دِمَشْقَ ، فَهِيَ الجَنَّةُ على الأرْضِ ، وهِيَ السِّحْرُ والجمالُ ، مِنْهَا يفُوحُ عِطْرُ الياسَمينِ ، وفيْهَا قاسيونُ الفَخَارِ ، وبردى عِشْقُ العاشِقينَ فيقولُ :
شَآم الأصَالةَ أنْتِ المُنى أيَا جَنَّةَ اللهِ في أرضِنَا
حباكِ الإلهُ بِسِحْرِ الجمالِ وعِطْرِ النُّفوسِ وطيبِ الجَنَى
وها هو الشَّاعرُ يعودُ إلى دمشقَ تَسبقُهُ أحلامُهُ ليَسْتَعيدَ ذكرياته الجميلةِ فيقولُ :
دِمَشْقُ جِئتُكِ والأحلامُ تسبِقُنِي كيْ أستَعيدَ نَشيداً مِنْ فمي سُرِقَا
ويصور مِمَّا حلَّ في البلادِ مِنْ عصْفٍ وقَصْفٍ ،وخرابٍ ودمارٍ ، منْ موتٍ للياسمينِ ، وانحِناءٍ للزَّنابقِ والأقاحي ، وتهشيمٍ للسَّوسَنِ فيقولُ :
يَمُوتُ اليَاسَمينُ بغَيْرِ ذَنْبٍ ولا يَقْوى على عَصْفِ الرِّياحِ
تفاؤل
رَغْمَ كُلُّ ذلكَ فالشَّاعرُ لمْ يَيْئسْ ، بل زَادَ تَفاؤلاً بِأنَّ الشَّمْسَ لا بُدَّ مشْرِقَةٌ منْ جديدٍ فيقولُ :
سَتَحْلُو الحَيَاةُ بِيَومٍ سَيَأتِي ويَحْمِلُ في رَاحَتَيْهِ مُرَادِي
ويقولُ في مكانٍ آخرَ بِأنَّهُ رغمَ النَّارِ التي تَكْوِي أضْلُعَهُ إلاَّ أنَّهُ ما زالَ على تَفَاؤلِهِ فيقولُ :
سَأظَلُّ في حُضْنِ التَّفَاؤلِ أرْتَمِي مَهْمَا كَوَتْنِي في التَّشَاؤمِ نَارُ
والشَّاعرُ يرَى بعيْنِ المُسْتقْبَلِ الفَجْرَ الذي يَدْحَرُ الظَّلامَ والشَّرَّ، ولابُدَّ مِنَ العَودَةِ للغِنَاءِ فلا حِقْدٌ ولا عِداءٌ ، لأنَّ البلادَ في رِعايَةِ اللهِ فيقول :
سَيُشْرِقُ مِنْ جَبِيْنِ الشَّمْسِ خَيْرٌ ويَقْطَعُ دَابِرَ الحُزْنِ الحُسَامُ
سَنَرْجِعُ في مَرَابِعِهَا نُغَنِّي فَلا شَرٌّ يَدُومُ ولا خِصَامُ
وفي مكان آخر يرى أن الأهوالَ مقدرة على العباد فيقول :
لا تَبْتَئسْ فالله أمْرَاً قَدْ قَضَى كُلُّ الخُطُوبِ على العِبَادِ مُقَدَّرَةْ
هذا قليلٌ مِنْ كَثِيْرٍ ، ، عنْ شاعِرٍ اكتوى بنَارِ الغربةِ ، وتلَظَّى بأخبارِ الحرائقِ في مَهْدِ طُفولتِهِ ، فتفجَّرَتْ عيونُ الشِّعْرِ في لاوعيِهِ، وحنينَاً إلى جُنُبَاتِ الوطَنِ ، وأنِيْنَاً لما حلَّ في جَنَّةِ الحلُمِ منْ خرابٍ ودَمارٍ .

المزيد...
آخر الأخبار
في ختام ورشة “واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة”.. الجلالي: الحكومة تسعى لتنظيم هذه... سورية: النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الج... فرز الخريجين الأوائل من المعاهد التقانية إلى عدد من الجهات العامة أفكار وطروحات متعددة حول تعديل قانون الشركات في جلسة حوارية بغرفة تجارة حمص بسبب الأحوال الجوية… إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه الملاحة البحرية مديرية الآثار والمتاحف تنفي ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام حول اكتشاف أبجدية جديدة في تل أم المرا ب... رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من القطاعات القبض على مروج مخـدرات بحمص ومصادرة أكثر من 11 كغ من الحشيش و 10740 حبة مخـدرة "محامو الدولة "حماة المال العام يطالبون بالمساواة شراء  الألبسة والأحذية الشتوية عبء إضافي على المواطنين... 400ألف ليرة وأكثر  سعر الجاكيت وأسواق الب...