يأخذ الإعلان جانباً هاماً من الترويج للبضائع والمنتجات والسلع الاقتصادية بمختلف أنواعها ، وهذا الإعلان الذي أصبح يأخذ حيزاً هاماً من حياتنا العامة يبدو أنه بدأ يسيطر بشكل أو بآخر على مساحات هامة من البث التلفزيوني وخاصة في الشهر الفضيل فما هي مدلولات ذلك هل يعني أن الحياة الاقتصادية عادت إلى وضعها الطبيعي إلى ما قبل الحرب الكونية على سورية ، وهل يعني أن هذا هو الشيء الطبيعي الذي يجب أن يحصل وأن تعود الأمور إلى ما كانت عليه في سنوات ما قبل الحرب الكونية على سورية ..
إن هذه العودة بالتأكيد تحمل الكثير من بشائر الخير ولكن في الوقت ذاته تبدو أنها تقدم مؤشرات كثيرة حول طبيعة ونوعية الإعلانات التي أصبحنا نشهدها عبر الشاشة الصغيرة وخاصة في مرحلة الذروة وهي فترة ما بعد الإفطار إلى السهرة حيث تقدم بعض الأعمال الدرامية الطافحة بالإعلانات التي يبدو أنها أصبحت جزءاً منها بحيث كان بعض الظرفاء يقول أن مسلسل الإعلانات كان يتم قطعه ببعض الأعمال الدرامية ، وهي دلالة على أن الإعلان أصبح يقدم بزمن يوازي زمن العمل الدرامي إذا لم يكن يزيد عليه … وهذا الأمر شهدناه ولأول مرة في شهر رمضان هذا العام وهذا بالطبع مخالف للأنظمة التي تعمل بها المحطات التلفزيونية بحيث أن شروط وضع وبث الإعلان يجب ألا تزيد إلى الحد الذي آلت إليه الأمور هذا العام ، وهذا بالتأكيد يطرح العديد من التساؤلات عن الجهات المعنية التي يمكن أن تدقق بالشروط الموضوعة لزمن الإعلان التلفزيوني الذي يجب ألا يتعدى الزمن المخصص له من ساعات البث الفضائي .
مسألة أخرى ينبغي الإشارة إليها وهي خاصة بالإعلان التلفزيوني فقد ظهرت هذا العام إعلانات تلفزيونية لا تتمتع بالمستويات الفنية الجمالية “ على الأقل “ والتي تبدو منفرة وغير محببة وممجوجة في بعض الأحيان في الوقت الذي كنا خلال الأعوام السابقة نتغنى بألحان بعض الإعلانات التي كانت تبث عبر ساعات البث التلفزيوني بسبب المهنية والحرفية التي أنجزت بها سواء عبر السيناريو أو الكلمات واللحن والأداء الذي كان يشد المتابعين والأمثلة كثيرة على ذلك ولهذا فإن بعض الإعلانات التي أنجزت هذا العام لم تكن بالسوية المطلوبة ومن المفترض أن تكون هناك لجان تستبعد تلك الإعلانات حتى لو كانت مدفوعة الثمن إذ ينبغي أن تحظى على الحد الأدنى من القبول وليس العكس .
ثمة ظاهرة استفادت منها بعض المؤسسات والشركات في هذا المجال عبر استقدام بعض الممثلين لتقديم برامج مسابقات تمنح الملايين عبر برامجها اليومية التي كانت تبث بعد فترة الإفطار وهذه البرامج على الرغم من نجاحها في بعض السنوات إلا أنها هذا العام اقتربت إلى درجة الإسفاف والاستعراض مع احترامنا للممثل الذي يقدم البرنامج وتاريخه الفني الطويل .
برامج المسابقات التي تمنح الملايين يومياً تقوم بالأساس على فكرة الاتصال على رقم معين وكلفة الرسالة من 75 – 100 ليرة وهذا يعني أن تلك الملايين التي تمنح يومياً تأتي من خلال تلك الاتصالات اليومية التي تأتي من مشتركي الهاتف الخلوي فلا يكفي البرنامج لحث المشاهدين على الاتصال بل تعمد الشركة الراعية إلى إرسال رسائل يومية لمشتركيها تحثهم على الاتصال وإغرائهم بالملايين اليومية التي يمنحها السحب اليومي ربما يكون صاحب الاتصال واحداً من الرابحين بتلك الجوائز كنوع من الاستجداء وإغراء المشاهدين على الاتصال مقابل فرصة ربما تحصل وربما لا تحصل في الحصول على تلك الملايين وهو فرصة مشروطة بعدد الاتصالات الذي ينبغي أن يكون مرتفعاً حتى يحظى على تلك الفرصة التي تشبه الحلم ..
الإعلان الذي شهدناه خلال الشهر الفضيل كان مسيطراً على بعض ساعات البث التلفزيوني و أشبه بالسباق الذي يحاول أن يسيطر على المتلقي ويدفعه لإتباع سلوك ما عبر ذلك الإعلان الذي يستهدف أولاً وأخيراً المشاهد ويبث رسائل عددية هدفها الأول والأخير الحصول على رد فعل يخدم تلك الإعلانات عبر التكرار اليومي ولعدة مرات فهل يستطيع المشاهد أن يكون بمنأى عن تلك الرسائل التي تستهدفه يومياً ..
المسألة في غاية التعقيد خاصة وأن البث الفضائي يحمل الكثير من الرسائل والمتلقي إذا لم يكن حذراً لكل تلك الرسائل التي تستهدفه فالنتيجة بالتأكيد لن تكون لصالحه ..؟ وحينها سيتحول من نعمة إلى نقمة وهذا لا نتمنى حصوله ..
عبد الحكيم مرزوق