هي قامة شعرية تستحق التقدير والتحليل والدراسة من حيث التجربة الشعرية الغنية والمتألقة التي تعبّر عن وجودها الإنساني العابق بشذى الشاعرية الذي يزيد تدفقا ً لأنماط حياتها المختلفة ، حيث الطابع الإبداعي يغلب في معظم قصائدها ، وهي تمتلك مفاتيح اللغة الشعرية والمعبرة وهي غنية بالأحاسيس متدفقة بالمشاعر التي تفيض عاطفة ورقّة ، فتحس عندما تقرأ شعرها أنك تعيش في أفكارها أكثر من تعابيرها ، حيث تقول :
هكذا نحن في الأنام خلقنا مشعلا ً لايميل نحو انطفاء
أما ديوانها « دموع تحترق» تمد نطاق شعرها مرة ً أخرى خارج حدود الذات والطبيعة ، فتبدو لنا الشاعرة كتلة ملتهبة من الإحساس والعاطفة ، ففي قصيدة «يقظة الضمير» حيث تقول : ص41
فاض الحنين فضاق فيه مضجعي
وأقام منتظرا ً جمال المطلع
وضممته ضمّ الشغاف لخافقي
وغمرته في لهفة المتفجع
وفي كتابها الشعري الذي يحمل عنوان : « العشق القدسي» يحتوي على قصائد تفيض بالحس والانتماء القومي والوطني والتعبير عن المعاناة الذاتية والوطنية ، وفيها شوق وأمل للنهوض وصنع حياة مزدهرة ومستقبل واعد ، ففي قصيدة « إعصار تشرين» ص 81 قالت :
أيها الأبطال أنتم أمل
مشرق صاغ العلا للعرب
وقد أعدتم شرف المجد لنا
ورفعتم عزّنا السحب
خضتم الحرب ببأس قاهر
واندفعتم للذرا كالشهب
أما قصيدة « شهيد « ص 88 فتقول :
فقيد الأريحية أي شعر يوفيك المهابة والثناء
لقد أعطيت للأجيال درسا ً
يشع لكل متجه ضياء
يكاد الصخر يدمع من حنان
لو أن الصخر يمتلك البكاء
ويوجد باقات شعرية احتوت على قصائد كلاسيكية تنطوي على تمجيد الوطن والعروبة في كتابها الشعري « منارة المجد» ، إضافة إلى حضور رائع للمرأة ، حيث الأنوثة والأمومة والوطن ، ففي قصيدة « شآم العروبة « أقتطف : ص16
ملأت من وحيك الأسفار والكتبا
يامن لغيرك هذا الشعر ماكتبا
نفخ المكارم من أرجائه انسربا
شآم أي عطاء منك أذكره
وقد عرفتك أمّا ً للعلا وأبا
وفي قصيدة « من سجل الخالدات « فإنها تفيض بعواطف جيّاشة رقيقة تنضح بالحب والحنان للدار الذي سكنت فيه سنين طوال وللأهل الذين عاشت معهم أجمل الأوقات وأحلى لحظات حياتها حيث قالت :
سأترك الدار مهد الأنس والورد
وسوف أعتاض عنها وحشة اللحد
أودع الأهل والأقران راضية
وأترك الطفل ظمآنا ً إلى الورد
ماذا نكون في الدنيا وعزتها
إن نحن لم نجن منها لذة الشهد
أما قصيدة « لنا النصر « والتي ملأت أجواءها غناء ً إنسانيا ً عذبا ً ونموذجا ً للشعر الإنساني الوطني كما تؤكد من خلال هذه القصيدة أننا المنتصرون وأننا أصحاب حق وقضية قائلة ً :
أريدك كالشمس تجلو الضياء
وكالحب يحيا ، نديَا ً معي
لنا النصر مهما توانى الرجاء لإنّا له طلقة المدفع
في هذين البيتين توحّد الهم الذاتي بالهم الوطني وكأن الشاعرة أرادت أن تقول : ( إن معاناتها ليست وليدة الفعل الذاتي الشخصي فقط ، بل هي تفاعل الذاتي وانعكاس الخارجي مما يزيد من عمق ألمها ومعاناتها) .
يمكن القول : إن الشاعرة فاطمة بديوي قد اختارت التوظيف المادي والجسدي وكل هذه الأبيات جعلتها قادرة على فهم الوجود ، بحساسية نفسية وشعرية ، نجحت هذه الحساسية فيما يمكن : الاستطرادات الشعرية والتفضيلات النفسية والمحيطة التي تخرج آهات وزفرات وتداعيات ، فالحديث عن فاطمة بديوي يطول طول قصائدها واستطراداتها الجميلة وبوحها الشفيف .
يُذكر أن للشاعرة كتباً شعرية عديدة منها : ( أغاريد الطفولة – صدى الحرمان – همس الملائك – حين نمزق الظلام – ترانيم الأمل ) .
وسيم سليمان
المزيد...