طرقت أشعة الشمس زجاج نافذتي وبعثر الصباح أشلاءه في غرفتي ليوقظني من نوم عميق، كانت الساعة الثامنة والنصف أسرعت في إعداد القهوة لأرتشفها مع زوجي مثل كل يوم، حتى الآن كان كل شيء روتينياً بحتاً ، انطلقت إلى بيت أهلي حيث تواعدني أختي بعد أن قمت كالعادة ببعض أعمال البيت السريعة ، وما إن وصلت عندهم حتى انتابني شعور بالغثيان يرافقه دوار وصعوبة في التنفس …ارتميت أرضاَ. جثة هامدة نحيلة كما لو أنها لم تكن تنبض بالحياة قبل ثوان …لم أعد قادرة على تحريك حتى إصبعي الصغير أسمع كل أصواتهم تصرخ ولكني غير قادرة على الحركة أو الكلام ، سارع أهلي بنقلي إلى المشفى، وهناك سمعت لابسي المراييل الخضر والبيض يقولون : أزمة قلبية حادة… أدخلوني العناية المشددة …وهناك اشتعل جسدي ألماً وعانت روحي ما عانت من هذه الاستراحة القسرية ..تذكرت أني لم آخذ حتى إجازاتي المستحقة من وظيفتي خلال العام وذلك منذ زمن بعيد …كنت ألهث خلف الحياة وربما كان الموت يلهث خلفي , هنا في العناية المشددة سجن لا أتمتع فيه بنعمة الرفض أو القبول..حياتي مقفلة حتى إشعار آخر والهواء ثقيل لا يصلني منه إلا القليل, أما صوتي فقد نسي كل الأبجديات. إنني أحس أكثر بكل التفاصيل ولا أعيها في الوقت ذاته. في عيني ذهول تام, لا شيء يتحرك فيهما سوى وجه أولادي
. البياض ,الأسود, الستائر, كل شيء متشابه بلون الفحم المطفأ , الأطباء والممرضات يعبرون بردائهم الأبيض كالأشباح… ما أشبه كل هذا البياض بالعتمة ، اليوم أدركت أن اللون يعني الأيام تماماَ بكل تقلباتها،والأيام قوس قزح خارج الضوء. داخل أعماقي وجع دفين،لا شيء يضاهيه سوى السفر الى داخله حيث ببساطة تحمل جواز سفر جديد.. وأنا في المشفى فوق سرير أنام فيه انتقلت بأفكاري عبر الأسرّة المجاورة لي .كيف صرت هنا خلال طرفة عين وانتباهتها كما قال شاعر ذات لحظة غامضة ….. في أي مقبرة سأكون أخاف ألا ترمش عيناي من جديد ؟.. تتراكم الأسئلة في رأسي المثقل,هل عليّ أن أبكي و أقدم قربان الدمع للقدر.
.بدأت أكلم نفسي هل سأعود إلى البيت ؟. أم جواز السفر هذا الذي أصبح بين يدي سيرحلني! كم سيتعب أبنائي حتى زوجي الذي أمضيت سنوات طويلة معه على السراء و الضراء؟ بيننا تاريخا مشتركا فيه كل ألوان الفرح و الحزن و الآمال .. أسئلة كثيرة جالت في خاطري كادت تقتلني ، تمنيت أن أنجو ليس خوفا من الموت بل البلبلة التي سأحدثها لأبنائي لأنهم في خضم امتحانات مصيرية .. مر شريط أيامي أمام عيني خيبات ..خيبات ..لا شيء سواها نسج حياتي وانتهت بي هنا في هذا البياض الناصع ,هل كنت حالمة بما تمنيت أم هي آمال صعبة المنال كنت قد نسجتها لأبنائي الذين خيبوا ظني ,فاستبدلتها بآمال أخرى . تساءلت آلا أستحق ما كنت أحلم به , الخيبات مزقت فؤادي. وخريف العمر ينزع أحلامي و يستبدلها بأخرى فأستكين لما هو أت ٍبقلب جريح خانني كما خانتني أحلامي وقد كنت منذ أيام مستسلمة هادئة لما يجري مغلفة أحزاني بضباب التبغ الذي كاد يمطر عينيّ جمراً والصدأ يقض أمنياتي ….. ها أنا ذا بين هدأة الحلم و قسوة الصحو أرقد في السريركما كل اليائسين متمنية أن تكبر نبتة الأمل التي زرعتها ثم سقيتها بدموعي وأحلامي عساها تنمو من جديد ؟
خديجة بدور
المزيد...