قد تقاس العلاقة بالآخر بمقياس السنوات ، وعلاقتي بالشاعر ممدوح السكاف تمتد على مدى نصف قرن ، ولكنني أقيسها بمقياس العلاقات الإنسانية المثمرة ، فمنذ اللقاء الأول به كان محباً ودوداً يندفع في مساعدة الآخرين ، ولذلك أخذ بيدي أنا العائد من دمشق إلى حمص بعد ثماني سنوات ، ودفع بي إلى منابر حمص الثقافية فكانت مشاركتي الدائمة في مهرجان رابطة الخريجين الجامعيين الشعري . وكانت مشاركتي في أمسيات شعرية في اتحاد الكتاب العرب والمركز الثقافي بفضل الأستاذ ممدوح السكاف – طيب الله ثراه – وكان يقول دائماً :
إن أجيال حمص الشعرية متواصلة ليس فيها فترات انقطاع ، وكان جد حريص على هذا التواصل وكم حدثني عن وصفي قرنفلي وعبد السلام عيون السود وعبد الباسط الصوفي ونصوح فاخوري ونذير الحسامي وموريس قبق هذا الشاعر الذي كتب عنه أكثر من مرة تحت عنوان – موريس قبق – الشاعر المنتحر صمتاً .
وكان الشاعر ممدوح يكتب عن الجميع ، فقد اعد كتاباً عن وصفي قرنفلي وتعب كثيراً في إعداده ، وقدمه إلى وزارة الثقافة ، ولكن الأستاذ أنطون مقدسي طالبه ببعض التعديلات التي لم يقتنع بها ممدوح فظل الكتاب مخطوطاً ، كما كان يعد كتاباً عن الشاعر عبد السلام عيون السود وقد بقي مخطوطاً أيضاً ، والكتاب الوحيد الذي رأى النور كتابه عن الشاعر الرومانسي عبد الباسط الصوفي ، ولذلك لا أتردد في القول أبداً : إن ممدوح السكاف كان محباً للآخرين وفياً للأصدقاء وكم كان يقول مداعباً : أنا لا اعرف أن اكره فانا ابن العازة كما كانت أمي تصفني وقد ولدت يوم ميلاد السيد المسيح في الخامس والعشرين من كانون الأول .
كما كان ممدوح السكاف شاعراً في سلوكه الحياتي وعلاقاته بالآخرين ، كما هو شاعر رومانسي نبيل في شعره يلتقط الموقف الحياتي ويحوله إلى موقف شعري يعبر عنه أجمل تعبير واذكر من ذلك انه زارني لليلة واحدة وكنت أقيم أسبوعاً في مخيم الرمال الذهبية ، وسهرنا على الشاطىء حتى الصباح وفي الصباح رأينا فتاتين تحملان أمهما العجوز وتجلسانها على كرسي لكي تتمتع بالأمواج تداعب رجليها ، وتحول هذا الموقف الحياتي للابنتين نحو أمهما إلى قصيدة رائعة حملت عنوان – أمام خارطة البحر -.
لقد واكبت الشاعر في مجموعاته الشعرية كلها بدءاً من مجموعته الأولى:
مسافة للممكن مسافة للمستحيل . وكتبت دراسات عنها نشرت في صحيفة العروبة وفي الأسبوع الأدبي ، ومازلت احتفظ بتلك الدراسات عن مجموعاته الشعرية : حضرة الماء ، انهيارات ، فصول الجسد ، على مذهب الطيف ..وكان يدهشني بصوره الشعرية المركبة التي تعتمد أحياناً على ما سماه القدماء – نوافر الأضداد – ومن ذلك قوله :
« أكاد احشرج من فرحتي بالنعيم «
وكان يقول لي دائماً : إنك المؤهل للكتابة عني مستقبلاً لأنك تعرفني جيداً وكنت أبتسم معبراً عن الرضى والقبول وأتمنى أن أحقق ما كان يتمناه !!
د. غسان لافي طعمة
المزيد...