تتسم هذه الدراسة بالجدة التي حاولت من خلالها الباحثة الدكتورة : ميادة إسبر قراءة الشعر برؤية جمالية مغايرة ، وهي تسعى جاهدة من خلال هذه الدراسة أن تؤكد حضورها في الساحة النقدية بطرح ذائقة نقدية تُعنى بالشعر على أنه إبداع متجاوز تخرق القانون السائد ، وتحطم ثوابته الموروثة عبر اختيار نصّ مفارق في اشتراطاته الجمالية ، وآفاق رؤياه الموضوعية التي تنطلق من الواقع ، لكنها لا تتوقف عنده إلا بقدر ما يفيد التوقف من دفع للقفز إلى المستقبل .
جاء الكتاب دراسة في العوديسا للشاعر الفلسطيني : خالد أبو خالد من خلال تسليط الضوء على : تحولات الرمز والدلالة وقد بنت الباحثة منهجية بحثها في الكتاب وفق التمهيد المؤسس على أشكال ومضامين أجناس وأساطير التي سعت من خلالها إلى الانتقال من الأسطورة إلى الملحمة ، وذلك بطرحها النص الجديد ( العوديسا ) على أنه تمثيل لذلك الجديد ، وهو ما أفردت له الباحثة عنواناً فرعياً تحت مسمى أدب جديد ملحمة جديدة ، لتكون ( العوديسا ) النمط الشعري الجديد الذي يعزف على أوتاره ملحمة الوجود الفلسطيني عبر تجربة الشاعر التي عاشها ، ومن هنا تتبدى دلالة تحولات الرمز التي جاءت تعبيراً عن الحالة الحية التي تؤكد الحقيقة الوجودية للشعب الفلسطيني الذي تحول بعض أبنائه الأدباء والفنانين إلى رموز ملحمية في التاريخ المعاصر ، ليكون الرمز في النص الشعري كياناً حياً يحيل الخيال من مبدأ تصويري إلى فعل رؤيوي كاشف للدلالات والمعاني ، كما ترى الباحثة ذلك مُجسَّداً في القصيدة المعنونة بـ : (مغناة إلى ناجي العلي )
ثم تنتقل الدكتورة : ميادة إسبر من الرمز الأدبي إلى النمط الأعلى ، لتكشف عن دلالة الرمز الأدبي من منظور الرؤية الشعرية ،وتتطرق إلى قضية شعرية المادة في العوديسا الفلسطينية وجدلية اللغة الشعرية والزمن في بناء القصيدة ، كما تلتفت إلى مسألة : تأنيث القصيدة ، فحضور المؤنث في (العوديسا ) يؤسس لفضاء سيميائي تتعالق علاماته بمنطوقات أدائية مفصحة عن طبقات متعددة للمعنى ومسارات لا نهائية للدلالة ، وأخيراً تناولت الباحثة مسألة :
المناص في ( العوديسا ) بإحالاتها المرجعية التي كشفت عنها من العتبة الأولى التي أحال عليها العنوان ، بعدما ضمَّتْ بين طياتها ما تقادم من نصوص سابقة صبَّتْ روافدها في بحر (العوديسا الفلسطينية ) التي شكلت إحالة واعية تنمُّ عن مقصدية محددة في تأكيد الثوابت التي تشكّل اليقين القارّ في الذاكرة والوجدان الفلسطينيين ،ومن هنا تتخذ دلالة العنوان أهميتها التاريخية والمعاصرة من خلال ارتباط الدال بمدلوله ، وإحالة الرمز على إحالاته الواقعية التي تكتب عمَّا هو آتٍ ، ولا تكتب عمَّا كان ، لأنها كتابة لما سيقع ، وليست تصويراً لما وقع ، مثلما هي انكشاف على يقين وإيمان ثابتين ، وليست قراءة عابرة في ماضٍ قد انتهى . فهي إحالة إستشراف للمستقبل الذي يكتب له الشاعر : خالد أبو خالد نصه بدفق الروح ، وقد آمن بالعودة حقَّاً ومصيراً لا بدَّ منهما .
د. وليد العرفي
المزيد...